علمياً تتكون فقاعة الصابون إثر تفاعل جزيئات الصابون الكيميائية، مع جزيئات الماء، وبازدياد الحركة وسرعتها، تتداخل جزيئات الماء مع جزيئات الصابون، مكونة جدار الفقاعة شيئاً فشيئاً بفعل قوى التوتر السطحي، التي تعمل على تقليل مساحة سطحها، والضغط عليها من جميع الاتجاهات، لأن الكرة هي الشكل الهندسي لحجم معين إذا تساوت حوله الضغوط، فتستدير جدرانها، وتصبح كروية. والفقاعة رغم كبرها إلا أنها لا تلبث أن تتضعضع، لضعفها، ولتحالف القوى الخارجية عليها بشكل أكبر مما تتحمله طاقة جدرانها الهشة، ما يؤدي إلى إضعافها من إحدى النقاط، ومن ثم تفجيرها، ونثر مكوناتها الرقيقة وكأنها لم تكن. وهذا مدخل بسيط لما سأحاول الحديث عنه هنا، وهو الفقاعات الإعلامية، التي تشتهر بها صحافتنا، التي نلحظها في عموم ما يمر على مملكتنا ومواطنينا من حوادث حريق، طرق، انهيارات، سيول، فساد، تعثر للمشاريع، أو غيرها من الحوادث، التي يكون سببها الأساسي وجود إهمال إنساني، أو فساد أو الاثنين معاً. حوادث مؤلمة صرنا نسمع عنها بكثرة، فلا ندري هل الفساد من خلائقنا، أم أن تقدم تقنية النقل والكشف والتواصل أصبحت أكثر حضوراً، أم الأمران معا؟ فالحدث الفاجع يحصل فجأة وبقوة، وكأنه تفاعل جزيئات الصابون الكيميائية مع جزيئات الماء الراكد. ومن ثم يتم تناوله إعلامياً، وتأطيره، وتضخيمه، والإبداع في تصويره، والبكاء على اللبن المسفوك، واللطم، بكل ما تمتلكه الوسائل الإعلامية من تقنية ومصادر، وحرفية، وبطريقة عنيفة، وجلد للذات تجعل المحيط يسخن، ويهتز، ويسبب تكوين الفقاعة الإعلامية. ومع الأسف الشديد، فإن الفقاعة تستدير وتكبر، وترتفع عالياً، ثم لا تلبث وبعد عدة أيام أن تنفجر، وتكون هَبَاءً مَنْثُوراً، هي وما صيغ حولها من تنظير وبنوط عريضة، وبكائيات، وما حيك عنها من أحلام، ونيات، وخطط، وحلول. لذلك فالحوادث عندنا متكررة، وتعود مراراً، وتكراراً، ولو أنها قد تتلون بألوان قوس قزح، وتتلبس بأشكال مختلفة قليلاً، وتحدث في مناطق متباعدة، قد تشتت الانتباه، إلا أن أسبابها لا تخرج عن إطار الثنائي المرعب، «الإهمال، والفساد»، مما يجعلنا نرى الفقاعات تعاود أجواءنا، وتتصاعد عن يمنة ويسرة، بشكل مقلق، ومحير. وبحدوث الحدث الجديد، تنفجر الفقاعة القديمة وتندثر، ويصبح لدى الإعلام فقاعة جديدة جذابة مربحة براقة مشوقة، مسيلة للعاب الإعلاميين، فيُنسى الحدث القديم كلياً، وتطوى صحائفه، وتمسح صوره، حتى لا يعود أحد يتذكره. فكأن الإعلام، عبارة عن أكياس كلمات وصور، ننثرها على أعين المواطنين، ثم نجمعها، لننثرها من جديد. لا أحد يهتم بالحدث إلا أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ، ومن ثم تعود الحالة لوضعها المعتاد. حتى المسؤولين أدمنوا هذا النوع من الفقاعات، واستمرأوه، فصاروا عند وقوع الخطأ يقفلون هواتفهم، وينذرون لله صوماً عن الكلام أياماً قلائل، ويختفون عن الأعين الجريئة، في إجازات اضطرارية مدفوعة الأجر، حتى تنقشع الغمة، وتنفجر الفقاعة، التي تسببوا في تكوينها، فلا يكون لهم نية مطلقاً على أخذ العبرة منها، ولا منع في تكرارها. مع الأسف الشديد لا يوجد لدينا إعلام له سلطة يتمكن من خلالها من المتابعة، وهذه نقطة عيب وخلل كبيرة في أي إعلام وطني، يستهدف مصلحة الوطن، والمواطن. فلو وجدنا في الجهات الإعلامية من يضع أجندة للأحداث المؤسفة، التي تحدث في البلد، فيعود لكل حادث على حدة، بعد فترات من حدوثه، ويعاود التقصي، عند الجهة المختصة، ويبحث، ويستنتج، ويطالب المسؤول بتوضيح الصورة الكاملة لما تم بعد انفجار الفقاعة، وماذا تم استحداثه من إجراءات لضمان عدم تكرار الحادث، أو ما يشابهه، وأن يطلع ميدانياً على تنفيذ الإجراءات المتخذة، لما تكررت الحوادث وتعاقبت. الإعلام الحر الشريف الوطني ليس مجرد بوق ينفخ، ويخرج لنا الفقاعات الملونة، ومن ثم يغض الطرف عن التطورات اللاحقة. وكسلطة رابعة، يجب أن يتابع أعماله، وأن يحرج المسؤولين، وأن يطاردهم، وأن يقلق راحتهم، ويطالبهم بمتابعة الإصلاح، ومحاربة الفساد، ومنع التجاوزات، وضمان سلامة المواطنين في عموم أنحاء المملكة، لا أن يتناسى ما حدث ويبدع في التطبيل. صحيح إن أغلب ذلك يقع على كاهل الجهات الرقابية، في الجهات التشريعية والتنفيذية والقضائية، ولكن الإعلام يمتلك المرونة أكثر من كل تلك الجهات، وهو يمتلك سلاح الرأي العام، فلماذا لا يستخدمه بالشكل المطلوب؟ الإعلام الواعي، هو لسان المواطن الحاكي، وهو عينه الرقيبة، وهو المحامي المدافع عنه، والكفيل بأن يجعله ينام قرير العين. مواطن بكل رقي وأريحية يراقب بفخر ما يحصل من إصلاح، ولا يحتاج للقيام بدور الإعلام، ولا يساعد على نشر الإشاعات ولا على ترديدها. الإعلام ليس مجرد فقاقيع لامعة من رغوة سريعة الزوال والإزاحة.