ايام لبنانية أربعة في طهران شكلت زيارة رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري وانتهت بالتأكيد على علاقات سياسية تحترم سيادة لبنان واستقلاله، وهو ما أشار اليه ايضاً النائب الأول للرئيس الايراني الدكتور حسن حبيبي الذي أكد ان الزيارة فتحت آفاقاً واسعة للعلاقات الايرانية - اللبنانية وأدخلتها مرحلة جديدة. ووصف الرئيس الحريري محادثاته التي اجراها مع حبيبي بأنها "جدية وجيدة ومثمرة" وقال ان العلاقات الايرانية - اللبنانية تخطو باتجاه صحيح. وقبل مغادرته طهران التقى الرئيس الحريري الرئيس الايراني السابق هاشمي رفسنجاني ووزير الخارجية كمال خرازي. وتوج زيارته للجمهورية الاسلامية الايرانية بلقاء مع المرشد آية الله علي خامنئي الذي قال ان قلبه مع لبنان في مقاومته المشروعة للاحتلال الاسرائيلي مؤكداً دعم بلاده الكامل للبنان كي يسترد جميع أراضيه المحتلة. وأشاد خامنئي بصمود الشعب اللبناني ومقاومته وبدعم الحكومة اللبنانية ومساندتها للمقاومة في مقابل الاعتداءات الاسرائيلية. وأظهر خامنئي اهتماماً بالمشاكل والصعوبات التي قال ان لبنان يعانيها منذ عقدين. وتميزت زيارة الحريري لطهران بأنها الاولى لرئيس حكومة لبناني منذ ربع قرن والأولى لايران بعد انتصار الثورة الاسلامية العام 1979 لتضع العلاقات بين طهران وبيروت في دائرة العلاقات الرسمية التي تقيم وزناً للسيادة والاحترام المتبادل والمصالح المشتركة. ووقع الجانبان الايرانيواللبناني ثلاث اتفاقيات لتطوير التبادل التجاري والتعاون. وقد اهتمت الاوساط الايرانية المختلفة بزيارة الحريري واعتبرتها "بداية عهد جديد" يتم تدشينه في العلاقات الايرانية - اللبنانية. وتشير مصادر عليمة الى ان الحريري بحث في طهران مستقبل "حزب الله" بعد الانسحاب الاسرائيلي من جنوبلبنان وان الايرانيين ايدوا ان يتحول الحزب في تلك المرحلة من مقاومة اسلامية الى حزب سياسي فاعل في الحياة السياسية اللبنانية ليضمنوا لحليفهم مكاناً على الطاولة الرسمية في لبنان، على قاعدة الولاء والمعارضة، أي ان "حزب الله" كما تشجع ايران، سيكون ما بعد مرحلة السلام العربي - الاسرائيلي في خانة المعارضة المشروعة داخل المؤسسات اللبنانية الرسمية. في اطار الشرعية وأكدت المصادر ان الحريري "تفهم" موقف ايران الرافض الاعتراف باسرائيل ومجمل عملية التسوية معها بالدرجة نفسها التي "تفهم" بها الايرانيون موقف السلطة اللبنانية اذا انسحبت اسرائيل من الأراضي المحتلة. وقالت المصادر ان الرئيس الايراني محمد خاتمي تعهد بأن يكون الدعم الايرانيللبنان في اطار الشرعية اللبنانية واحترام السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية كمبدأ مهم في السياسة الايرانية في العهد الجديد. وقال الحريري ان الزيارة حققت جميع اهدافها في تعزيز العلاقات الثنائية خصوصاً في المسائل الاقتصادية، وان البلدين سيواصلان اتصالاتهما للبحث في المسائل الاخرى، خصوصاً موضوع تزويد لبنان بالنفط الايراني باسعار مخفضة جداً وموضوع اقامة جسر جوي مباشر بين طهران وبيروت. وقال الحريري عن لقائه بخامنئي انه كان "مفيداً للغاية" مشيراً الى اهتمام مرشد الجمهورية الاسلامية الخاص بلبنان. وقال خبراء ومطلعون ان زيارة رئيس الوزراء اللبناني ادخلت علاقات الجمهورية الاسلامية الايرانيةولبنان في مرحلة جديدة من شأنها ان تجعل العلاقة بين "حزب الله" وايران تمر من بوابة الدولة اللبنانية في المدى المنظور. واعتبرت اوساط مطلعة ان التأخير الذي حصل لكي تتم الزيارة بعد نحو من ثلاث سنوات يعود الى ان الحريري كان يريد ان يحصل على وعد ايراني أكيد بهذا الخصوص كي تكون العلاقة بين ايرانولبنان اكثر رسمية. وقد أشار الحريري في تصريح ل "الوسط" الى هذا الامر من طرف خفي بقوله "ان العلاقات السياسية بين لبنان والجمهورية الاسلامية قائمة قبل الزيارة لكنها ستأخذ منحى أوسع من دون أي شك نظراً الى رغبة الطرفين، على أساس الاحترام المتبادل للدولتين، وعلى اساس احترام سيادة لبنان واستقلاله" مشيراً الى ان "جميع المسؤولين في الجمهورية الاسلامية الذين التقيناهم ذكروا هذه المسألة". وبالتأكيد مثلما توقعت الاوساط القريبة من المحادثات الايرانية - اللبنانية فان الزيارة تمثل تطوراً ايجابياً ومهماً ومريحاً في العلاقات بين البلدين، خصوصاً اذا نظرنا الى هذه العلاقات من زاوية انها كانت "مقيدة" على الدوام باطار العلاقة بين ايران الاسلامية والفاعليات اللبنانية غير الرسمية وبينها عدد كبير معارض للسلطة اللبنانية، وايضاً لتوجهات الحريري. وكانت طهران ارتبطت مع "حزب الله" منذ العام 1979 وحتى بداية "الحلحلة" في أزمة الرهائن الاميركيين والغربيين في لبنان العام 1991 والدور الذي لعبه الرئيس السابق رفسنجاني في اقفال ذلك الملف. وقبل تأسيس "حزب الله" اثر الاجتياح الاسرائيلي للبنان، كانت طهران على صلة وثيقة بحركة "أمل" الشيعية والزعامتين الدينيتين للطائفة: الشيخ محمد مهدي شمس الدين والسيد محمد حسين فضل الله اضافة الى الروابط القديمة قبل انتصار الثورة مع عدد من الفاعليات السياسية والتنظيمات "التقدمية"، الا ان الرئيس رفسنجاني سعى عندما كان على رأس السلطة الى نقل هذه العلاقة الى اتجاه جديد متوازن مع الدولة اللبنانية ايضاً من خلال الاتصالات الرسمية والحرص على ان يكون الدعم الايراني ل"حزب الله" ووجهه العسكري المقاومة الاسلامية في اطار المقاومة المشروعة للاحتلال الاسرائيلي. وأشارت الاوساط الى ان دعوة الحريري لزيارة طهران وجهها رفسنجاني منذ حوالى ثلاث سنوات وجددها في اللقاء بينهما على هامش القمة الاسلامية الاستثنائية التي استضافتها اسلام اباد في آذار مارس الماضي وقالت ان تنفيذها الآن يؤكد انها تشكل نقلة نوعية في العلاقات الايرانية - اللبنانية، معتبرة انها لم تكن لتتم لو لم يحصل رئيس الحكومة اللبنانية على وعد أكيد بأن هذه العلاقات ستكون اكثر رسمية من دون ان تتدخل ايران بما يعتبره لبنان اخلالا بالسيادة، وهو ما عبر عنه الحريري في طهران عندما شدد على انه يريد تطوير العلاقات الايرانية - اللبنانية السياسية على اساس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة بما ينسجم تماماً مع الرأي الذي تتبناه ايران في عهد الرئيس خاتمي. وتنظر الاوساط السياسية الى هذا الأمر من واقع ان الحريري بحث في طهران في مستقبل "حزب الله" والوضع الراهن على صعيد كونه يمثل "مقاومة اسلامية مشروعة ومقبولة" وهو لا يريد ان يوظف الدعم الايراني للمقاومة الا في حدود تنشيط عملية التسوية وما تقدمه الورقة الايرانية من نتائج ايجابية لمصلحة المسار السوري - اللبناني. وتحدثت أوساط ايرانية عن طروحات سياسية قالت ان الحريري بحثها في طهران في دائرة التقريب بين الموقفين الايرانيواللبناني، وتفهم كل طرف لموقف الطرف الآخر. فبينما ترفض ايران عملية التسوية والاعتراف باسرائيل لا يمانع لبنان في التوقيع على اتفاقية سلام مع اسرائيل اذا انسحبت من الجنوب والبقاع الغربي ومن الجولان في اطار تسوية شاملة. بعد 3 أشهر ولفت المراقبين اعلان الحريري انه مستعد للتوقيع خلال ثلاثة أشهر على اتفاقية السلام مع اسرائيل اذا قبلت القرار الدولي الرقم 425 وانسحبت من الاراضي اللبنانية والجولان وأعطت الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة في دولته المستقلة وعاصمتها القدس. وتشير المعلومات المتوافرة عن المحادثات الايرانية - اللبنانية الى ان ايران ليست بعيدة عن هذا الاتجاه العام للطروحات وهي ايضاً لا ترفض ان يحصل لبنان على سيادته، وهي تدعمه بمختلف الاساليب، ومنها السياسية لتحقيق هذا الهدف، لكن ايران التي تعهدت تقديم الدعم ايضاً "للمحرومين" والحركات الثورية لا تريد ان تعرض صدقيتها للاهتزاز، لذلك لن تتخلى عن "حزب الله" بل ستعمل على ان تضمن تواجده بعد التسوية في الميدان السياسي كحزب فاعل في الحياة اللبنانية، وتضمن بذلك ايضاً سلامة قيادات معينة في الحزب الذي تعتبره اميركا ارهابياً. وفي العلاقات الميدانية جاءت الزيارة لتحقيق جملة أهداف اقتصادية وتجارية لتطوير الاقتصاد اللبناني وما ينتج عن ذلك من مردود ايجابي على العلاقات بين القوى اللبنانية نفسها باتجاه المزيد من الاستقرار، ومنها موافقة ايران المبدئية على تزويد لبنان بنفط لمدة عشرين عاماً بأسعار مخفضة، وهو مطلب الرئيس الحريري الذي وافق عليه الرئيس الايراني خاتمي من دون تردد بينما كان الأمين العام السابق ل "حزب الله" الشيخ صبحي الطفيلي يواصل "الاعلان" عن ثورة "الجياع" ضد سياسات الحكومة اللبنانية الاقتصادية بما يعكس التوجه الايراني نحو تفعيل العلاقات مع الدولة اللبنانية. وحول موضوع تزويد لبنان بالنفط الايراني لم يتم التوصل الى اتفاق نهائي وقال الحريري ان الاتصالات الايرانية - اللبنانية ستتواصل في هذا الموضوع وفي موضوع اعادة الخط الجوي المباشر بين طهران وبيروت الذي توقف العام 1986. وأكد الحريري ان العلاقات الاقتصادية بين البلدين ستشهد تطوراً باستخدام لبنان المناطق الايرانية الحرة القريبة لمنطقة آسيا الوسطى والقوقاز لتصدير بضائعها. ويرى المراقبون ان أي تحسن يشهده الاقتصاد اللبناني سيخدم الاستقرار في لبنان ويعيد للسلطة اللبنانية بسط نفوذها على كامل لبنان، خصوصاً بعد الانسحاب الاسرائيلي .