يوم الخميس الماضي غرد الرئيس الأمريكي دونالد ترمب: على الولاياتالمتحدة أن تعترف بسلطة إسرائيل على مرتفعات الجولان السورية. يُعد هذا تحولاً خطيراً من قبل إدارة الرئيس ترمب لموقفٍ تواتر للحكومات الأمريكية، منذ حرب 1967، باعتبار الأراضي العربية هي أراضٍ (محتلة) على سلطات الاحتلال الإسرائيلي الامتناع عن أي إجراءات تغير من الأوضاع والملامح الجغرافية والسكانية لتلك الأراضي. في أضعف الأحوال، كما تطور مؤخراً، تظل أيضاً أراضي محتلة، يُحدد مصيرها بالتفاوض بين الأطراف المعنية. مهما كان الأثر القانوني والسياسي والأخلاقي، لهذا التطور السلبي من قبل إدارة الرئيس ترمب، تجاه أخطر قضايا الصراع بين العرب وإسرائيل، انحيازاً لإستراتيجية التوسع الإسرائيلية، إنما يعكس تحولاً جذرياً في الموقف الأمريكي تجاه أطراف الصراع في المنطقة، وقضايا ذلك الصراع المحورية التي تحفزه، مما يُبْعِدُ المنطقة عن السلام. كما أن مثل ذلك الإجراء، إذا ما أصرت عليه الإدارة ومضت في تفعيله، يرسخ حقيقة كونه صراعاً بين العرب وإسرائيل، وليس صراعاً مختزلاً بين الفلسطينيين وإسرائيل، كما يذهب البعض لوصفه. من شأن هذا التطور السلبي لإدارة الرئيس دونالد ترمب، تجاه أهم قضية تحكم حالة الحرب الحالية بين العرب وإسرائيل، أن يؤثر سلباً على دور الولاياتالمتحدة، كراعٍ للسلام.. والأهم: يجعل من الولاياتالمتحدة دولة «مارقة» على القانون الدولي.. وكارهة للسلام. صفات لا تليق بدولة عظمى، من أهم مسؤولياتها رعاية السلام في العالم.. وضَرْب مثلٍ يُحتذى في الالتزام بالقرارات الدولية، التي أعلنت تمسكها بها.. وتعهدت بتسخير إمكاناتها لفرضها، انتصاراً للسلام وحباً له. الأهم، هنا: ليس في البحث عن الجوانب السياسية والتداعيات الأخلاقية والخلفيات القانونية، لمثل هذا التطور السلبي في السياسة الخارجية الأمريكية، بل في مدى كفاءته وفاعليته في تحقيقه للهدف منه. واشنطن، وإن تعتمد على نفوذها في مؤسسات وقيم النظام الدولي، لإجهاض أي محاولة لإدانة هذا التطور السلبي الجديد في ملف أزمة الشرق الأوسط، إلا أنها في المقابل: لا تستطيع أن تفرضه على العالم.. كما لا تستطيع أن تشرعن، لا سياسياً ولا قانونياً ولا أخلاقياً، ما قد يترتب على ذلك من تدعيم لسلطة الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية. ستظل الأراضي العربية، التي تحتلها إسرائيل، في نظر العالم بأسره، أراضي محتلة، يحتفظ أصحابها الأصليون بالحق، غير القابل للتصرف، في المطالبة بها.. وعمل كل ما من شأنه لاستعادتها. مثل هذا الحق لا يسقط بالتقادم، مهما كانت طبيعة الاحتلال وقسوة واقعه.. وقوة ونفوذ من يسانده و«يتعاطف» مع منطقه الأعوج، وما يبدو للبعض، من استحالة التخلص منه. أيضاً: مثل هذا التوجه العدائي من قبل واشنطن، تجاه العرب وقضاياهم القومية المصيرية، يوفر سابقة خطيرة تأتي على أهم ركائز النظام الدولي، التي تستند على إجماع أممي بالحفاظ على الكيانات الإقليمية لأعضائه.. وتحريم أي محاولة للمساس بسيادة أعضائه على وحدة أراضيهم وسيادتهم المطلقة على كامل تراب أراضيهم. مثل هذا الإجراء يتعارض مع سياسة الولاياتالمتحدة نفسها، تجاه قضايا مشابهة، مثل: موقفها المتشدد من احتلال روسيا لشبه جزيرة القرم، التي كانت سبباً لفرض عقوبات اقتصادية وعزل سياسي دولي، على موسكو، تزعمته واشنطن نفسَها. تاريخياً: لم يعترف العالم بدولة أرض الصومال، سوى إثيوبيا، التي فتحت بعاصمتها هرجيسا مكاتب تجارية. مهما حصل من دمار في سورية، بسبب الحرب الأهلية وتدخلات إقليمية ودولية، إلا أن هناك إجماعاً دولياً، بالحفاظ على وحدة التراب السوري، بما فيه هضبة الجولان. للتذكير هنا، كان موقف إدارة الرئيس رونالد ريغان من أشد المعارضين لذلك الإجراء التعسفي لحكومة بيجِن المتطرفة، بضم هضبة الجولان السورية 1981. حينها قررت واشنطن وقف اتفاق للتعاون الإستراتيجي مع تل أبيب. الأخطر، في هذا التطور السلبي، لإدارة الرئيس ترمب الذي جاء في سلسلة إجراءات سلبية، ما زالت تتوالى تباعاً، بدءاً بقرار نقل السفارة الأمريكية للقدس.. ومحاولة تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين، وربما يأتي لاحقاً، الاعتراف بضم إسرائيل للضفة الغربية، أنه لن يبقى ما يُتفاوض بشأنه.. الأمر الذي يضع نهاية عملية لما يُرَوّجُ له ب«صفقة القرن»، لا كما يعتقده البعض من أن تلك الإجراءات التعسفية، من قبل واشنطن، ضرورة تمهيدية لعقدها. اعتراف الولايات بسيطرة إسرائيل على الجولان وعدم اعتبارها أراضي عربية محتلة، من شأنه، باختصار: استمرار حالة التوتر والصراع في المنطقة.. وعودتها لسابق عهدها بحجمها الحقيقي (الشامل الواسع)، صراعاً بين العرب وإسرائيل، لا صراعاً مختزلاً كما يريده الصهاينة والأمريكيون، بين إسرائيل والفلسطينيين. شرعنة الباطل لا تجعل منه حقاً.. والحق لا يموت وهناك من يُجاهد مطالباً به. ويظل السلام بعيداً عن أرض السلام، برعونة أعداء السلام الكارهين له. * كاتب سعودي