تكمن عبقرية اللغة في قدرتها على إيصال رسائلها خصوصاً الرسالة الأخلاقية التي يمثلها الشعر باعتباره السفير الأول لها، وديوان العرب إذا ما قدمه الشاعر باللغة الأقرب للذائقة كان الأوسع انتشاراً والأكثر قبولاً. والشاعر مرشد البذال الرشيدي من فرسان الأدب الشعبي والأقرب لما يسمى المدرسة الأسلوبية القائمة نصوص شعرائها على التناسق والتوافق وخفة الإيقاع، وفي قصيدته (قالوا حكوا بك) رسالة يحلل بها شخصية المتطاول على الناس بالغيبة والنميمة ويبدأها بالمباشرة (قالوا حكوا بك قلت وش هم يقولون، وش قيل فينا يا الوجيه الفيلحه، كان الكلام من المعادي على هون، بعض المسبّة بالمجالس مديحه). وكما عبّر أبو فراس الحمداني عن الأذى الذي لحقه من نفوس مضطربة وغير سوية عندما قال (وَيَغتابُني مَن لَو كَفانِيَ غَيبَهُ، لَكُنتُ لَهُ العَينَ البَصيرَةَ وَالأُذنا، وَعِندي مِنَ الأَخبارِ مالَو ذَكَرتُهُ، إِذاً قَرَعَ المُغتابُ مِن نَدَمٍ سِنّاً) يذهب شاعرنا إلى أن من تجوس بداخله أحقاد وضغائن ولا يجد متنفساً لها إلا بذم عباد الله هو مظنة النقص والعيب وكما جاء في المثل الشعبي (لا ينال من الناس إلا أخس الناس) يقول شاعرنا: (كم واحد باعراض الأجواد مفتون، وهو سلومه يفضحنه فضيحه، وكم واحد يطعن وهو فيه مطعون، يذم ريح الناس والشين ريحه). وفي حالة من الصفاء الشعري الرائق والتحليل الموضوعي المجسد لواقع المجتمع يتقاطع شاعرنا مع شاعر الحوليات زهير بن أبي سلمى في أبياته (فلا تكتمن الله ما في نفوسكم، ليخفى ومهما تكتم الله يعلم، يؤخر فيوضع في كتاب فيُدّخر، ليوم حسابٍ أو يعجّل فينقمِ، ومهما تكن عند امرئ من خليقة، وإن خالها تخفى عن الناس تُعلمِ) فيؤكد البذال أن (أكثر كلام الناس تهمات وظنون، قول تنميه الوجيه الوقيحه، مقرود يا من بدل اللون باللون، بعض الكلام يحرفه عن صحيحه). ويختتم الشاعر نصه بالتذكير بأن أطيب الخلق من يذكره جماعته وعشيرته بخير بعد رحيله، وأن المداوم على اغتياب الطيبين وهتك أعراضهم سرعان ما يطيح في أسوأ مما بهت به خلق الله (المستريح اللي من الشك مامون، مع كل خلق الله علومه مليحه، كم واحدٍ حيٍ له الناس يثنون، وإلا توفى قالوا الله يبيحه، وكم واحد لو هو بالالحاد مدفون، ذكراه عند الناس بيضا صفيحه، قلته وكل الناس غيري يقولون، راع الظليمة لا تباطى مطيحه).