اختاروا لي اسم مروى، بعد إخوتي الخمسة الذين سموا أيضاً ببداية حرف الميم، بسبب أن والديّ أُغرما بفيلم «إمبراطورية ميم» من بطولة فاتن حمامة عام 1972، وقرر والدي ووالدتي أن ينجبا إمبراطوريتهما الخاصة وفق عهدٍ أُبرم، على بذل أقصى مجهود لتعيش هذه الإمبراطورية بسلام، حتى اللحظة، واستلمت أمي الراية، بعد وفاة والدي قبل 17 عاماً. تبدو البداية عادية وأتذكر الآن مشهداً يدك أسوار شرودي، بابا.. لماذا سُميت باسمي هذا؟ أستلذ بسماع القصة كل مرة، وكأنها تروى لي أول مرة، يجلس أبي على جنبه، ويمسك بفنجان الشاي، يرتشف منه مرة، وينطق كلمتين أو ثلاثاً، ثم يتفرس حماسي، وانزعاجي من بطئه الشديد في سرد القصة، أنا التي خُلقت لأختصر كل الأشياء.. لا أحتمل ذلك. يُكملها بهدوء مَن بدأ يُجدف في نهرٍ لامعٍ تحت ضوء القمر! يقول: «كان في بنت صغيرة»، يقولها وهو يضم يديه لصدره، بعد أن يضع فنجانه في مشهدٍ تمثيلي بارع وكأني ما زلت دافئة بين يديه. يُكمل: «بنت صغيرة، لم يكن اسمها هو اسمها، تظل تبكي بكاءً متواصلاً ولا أحد يعرف السبب، ترفض الرضاعة وتُرفس بقدميها، وتستمر في ذلك حتى تنام من التعب نوماً لا يخلو من الشهقات المتقطعة! في يوم طلعت فيه الشمس محمومة بلهيب شهر «جولاي» الحار، وقد كان موعد العقيقة. طُفنا بالمهد على الضيوف طوافاً ينقصه هدوؤها، فقد كانوا يقبلونها على عجل، ويدسون النقود وجنيهات الذهب تحت رأسها، وعلى كفي وقد كان لها الكثير»، مضيفا: «وحينما وقفت بالرضيعة، عند صديقي عبدالعزيز، تأملها كمن يتأمل لؤلؤة في محارة». يسأل: مروى؟! ثم يردف: «بل هذه مها عليك أن تغير اسمها يا صديقي». وواصل والدي: «وقد غيرته بالفعل، ومنذ ذلك اليوم لم تبكِ مها أبداً». ذلك الحوار المليء ببذورٍ حَرَث مكانها والدي بعناية، ما زالت تنبت زهوره في صدري، وأجني ثماره كلما لامست كفاي دموعي، أمسحها مثل نقطة عَرق تسربت من خوذة محارب، أردد: في نشيدٍ من نحيب مثل جندي وفيٍّ يحرس مُدن الأحزان: «مها لا تبكي أبداً أبداً».