بعيداً .. حلق الطائر تاركاً خلفه صديقه وعشه الرهيب الذي طالما تقاسما لقمة العيش فيه .. غادر الطائر وصديقه مكسور الجناح هزيل الجسد ومع هذا يناديه الطائر الجريح : عد صديقي ، عد فالدنيا مليئة بالوحوش ، عد فأنا أخشى عليك من غدر اللئام .. غادر الطائر وفي عينية ألف دمعة وبقلبه أسى ولوعة لم يلتفت ولكن قلبه يعتصر حسرة وألماً .. حلق بعيداً حتى اختفى ولم يعد يراه صديقه الجريح حينها لم يكن أمامه إلا أن يرفع رأسه إلى السماء ويدعو له فجناحه المكسور يمنعه من أن يرفعهما ولكن بقلب متضرع ( يا رب هذا صديقي قد رحل فاحفظه ) .. في الأجواء كان الطائر المحلق يخفي أسى بقلبه ولكن شريط الذكريات يتحدث فيتأوه حيناً وحيناً يبكي حتى أنهكه الطيران ..حط رحله على طرف نهر جار يريد أن يروي شيئا من عطشه ولكن .... ابتسامة تفاجئه فصديقه بجانبه يشرب معه ! سرعان ما ماتت ابتسامته فقد كانت صورة صديقه تلازمه فتوأم روحه ليس شخصاً عادياً ولكن .... ارتشف بضع قطرات كان يظن أنه بالماء يروي عطشه وما علم أن حتى الماء لم يعد يجديه ! كل شيئ فقد طعمه وكل لذة أصبحت علقماً .. عاد من جديد ليكمل طيرانه لم يكن أمامه نهاية محددة يرغب الوصول إليه وإنما هي محاولة الهروب والهروب إلى لا شيئ ! هبت الأعاصير وتلاعبت به ورغم قوتها إلا أن الإعصار الذي بقلبه يعصف بكل كيانه .. الطائر الجريح في عش صداقتهما يستجدي كل من يمر به سائلاً عن أخبار صديقه كم تمنى أن يحمله أحد إلى صديقه ليطمئن عليه بنفسه ولكن ما كل الأماني تتحقق !على غصن شجرة حط الطائر رحله متغنيا بلحن حزين باكٍ سمعه طير عابر .. اقترب منه وسأله : ما بك ؟ قطع الطائر تغريده وكفكف دمعه سريعاً .. أشاح بوجهه .. مشى مبتعداً حتى وصل آخر الغصن .. اقترب الطائر منه .. أعاد السؤال فما كان من بد سوى أن يقول : لا شيئ وسيعود كل شيئ كما كان .. خطوة .. فخطوة ثم بسط جناحيه وطااار ! في الأجواء بكى ثم بكى حتى غطت الدموع بصره .. خارت قواه واستسلم لغصن شائك .. ! طعنات قلب ووخز أشواك ! يا رب .. أسألك الفرج .. ثم طار .. من بعيد يرى غصناً قد احتوى أجمل صداقة يطعمه بمنقاره ويمسح عنه عرقه المتصبب بعد وعثاء السفر .. اقترب منهما .. بصوت حزين سأله : هل هذا صديقك ؟ أجابه باستغراب : نعم ! ولمَ تسأل ؟! طأطأ برأسه مخفياً دمعة حرى ثم أجاب : لا شيئ ! أحس الطائر الذي في العش بحرقة في قلبه فسأله : تبدو حزيناً ما بك ؟!! تنهد .. ثم أجاب : تركت صديقي ورحلت ! سأله : ولم ؟؟ تحشرجت كلمات في صدره .. حاول انتزاع الشوك من حلقه .. تحامل على نفسه وأجاب : لا أدري .. لا أدري .. حقا لا أدري !! ثم طاااار . أبصر طيوراً مجتمعة بالقرب من واحة غناء قال في نفسه أذهب لهم ربما خففت عن نفسي بانخراطي معهم .. يسمع أحاديثهم وضحكاتهم .. يرى كيف يتبادلون الاهتمامات والنقاشات .. شعر بغربته بين بني جنسه .. آلمه غرقهم في ذواتهم وتجاهلهم له .. طار إلى غصن شجرة وأخذ يتأملهم من بعيد .... لم يقطع تفكيره إلا صوت قادم نحوه ..... أراد الطيران ولكن ...... انقضت عليه أفعى فأصابته حينها فقد شعوره بكل ما حوله ..... ! أفاق على صورة أشبه بصورة صديقه يمتص السم من جناحه شيئا فشيئاً حتى اتضحت له الصورة .. إنه توأم روحه ! غارق في امتصاص السم والخوف يأكل قلبه .. بدأ يرقيه ويسقيه الماء .. بكى حتى أبكى ضمه صديقه .. مسح دموعه .. أطعمه حتى أشبعه .. بصوت فرح : ما الذي أتى بگ إلى هنا ؟؟ من الذي أخبرگ عن مكاني ؟ ثم أخبار جرحگ ؟ أجابه : لم أتركگ .. كنت أراقبگ من بعيد وأستجدي أخبارگ من الآخرين .. أنت بقلبي وإن رحلت ومذ غادرت العش غادرت روحي معك ! أما جرحي الغائر فقد شفي ولله الحمد تماماً ورغم سطوته لم تكن تفارقني يا أغلى من روحي .. صمت قليلا ثم استطرد : اليوم .. يوم ميلادي .. الآآآن عادت الروح إلى الجسد .. فلك رباه الشكر والحمد .. عزيزة القعيضب