أتفهم تماماً الرغبة الملحة لبعض مديري الدوائر الحكومية في إبراز جهودهم ونشر ما يشيد بنبوغهم وعبقريتهم وما إلى ذلك عبر وسائل الإعلام.. تلك الرغبة التي تجعلهم يمطرون الصحف كل صباح بأخبار بلا أي لون أو طعم أو رائحة من إنتاج موظفي العلاقات العامة «المكروفين» في إداراتهم، فكل ما يهم أن تنشر صورة المدير مع عنوان يوهم المتلقي بأن سعادته أتى بما لم تأتِ به الأوائل. هذه الظاهرة التي تبرز بشكل جلي لدى بعض مديري الإدارات في المحافظات والمدن الصغيرة تأتي غالباً في سياق البحث عن التقدير في المجتمع المحلي، وقبل ذلك «السباق نحو الترقيات»، وبالطبع لا اعتراض لي عليها إن كانت لا تضر أحداً من المواطنين ولا تعمل على تضليل المسؤولين، لكنها أحياناً تتحول إلى «إساءة حقيقية» لصورة الوطن في الإعلام الخارجي، إذ إن بعضها يمكن تشبيهه بفعل «الأحمق الذي يريد أن ينفعك فيضرك»، فمع ثورة التكنولوجيا ووسائط الاتصال الحديثة انهارت خصوصية الإعلام المحلي تماماً، وبات أي خبر عابر يُنشر في صحيفة مغمورة أو موقع إخباري متخصص في أخبار قرية أو محافظة سعودية، عرضة لأن يتحول إلى عنوان رئيسي في نشرات الأخبار والصحف الدولية، ولذلك من المهم أن نطالب بعض المسؤولين الباحثين عن الأضواء بأن يحذروا من جعل العالم يسخر منا بسبب خبر تافه أو مثير للضحك. الجديد حالياً لدى الباحثين عن أي مساحة ضوء من هؤلاء هو محاولة إرسال رسائل للمجتمع والقيادة مفادها أنهم حريصون على «تمكين المرأة السعودية»، وهذا جميل لو كان حقيقياً وليس مفتعلاً بشكل مثير للسخرية، فعلى سبيل المثال يمكنك أن تقرأ خبراً صباح الغد في صحيفة سعودية واسعة الانتشار عنوانه «مدير الإدارة الفلانية في المحافظة الفلانية يعين أول امرأة رئيسة لقسم الأرشيف»، وبجانب الخبر صورة ذلك المدير مبتسماً ومرتدياً بشته، وكأن هذا إنجاز سعودي غير مسبوق، ولك أن تتخيل عزيزي القارئ مدى السخرية التي ستطالنا والنكت التي ستطلق عنا، لو التقط هذا الخبر صحفي غربي نشيط وأعاد نشره بعنوان «لأول مرة في السعودية.. رئيسة قسم أرشيف»! هؤلاء المديرون الصغار الباحثون عن الإنجازات الوهمية لا يدركون أن المرأة في السعودية وصلت إلى مناصب عليا لم يصلوا هم ولا حتى المشرفون عليهم إليها، إذ من الواضح أنهم يعيشون في «كراتين» أو صناديق مغلقة، ولم يغادروا يوماً محيطهم الضيق، كما أن عقولهم أصغر من أن تدرك حجم التغيير الذي يحدث في المملكة وهي في طريقها لتحقيق رؤية 2030، ولذلك فمن المهم أن يؤمروا بالتوقف عن إضحاك العالم علينا، وأن يُحاسبوا على ذلك أيضاً، حفاظاً على صورة الوطن والمواطن. * كاتب سعودي Hani_DH@ [email protected]