عندما تشرفت بزيارة قاعدة الملك فهد الجوية بالطائف رأيت ما أذهلني وجعلني أقف وقفة احترام طويلة لقواتنا الجوية. بدون أي مبالغة تتميز قواتنا بمستويات عالمية تنافس أرقى الدول وأحدثها. وتضمن جزءا من زيارتي تجربة قيادة طائرة «التايفون» المقاتلة في الجهاز التشبيهي. والكلمة معناها الإعصار. وكانت أفضل بكثير مما تخيلت. هذه الطائرة المقاتلة تعشق الهواء فتطير بمشيئة الله بيسر وخفة أغرب من الخيال. عندما تتسارع على الأرض تستطيع الانطلاق من صفر الى 200 كيلو متر في الساعة في حوالى 7 ثوانٍ. ومن ثم تستطيع الصعود الى ارتفاع حوالى 40 ألف قدم في دقيقة واحدة. وللعلم، فهي ليست طائرة صغيرة فطولها يعادل تقريبا طول 3 سيارات من طراز «لاند كروزر». وهناك العديد من الحقائق العجيبة حول الطائرة واخترت لكم التالي: أولا: هي نتاج أكبر مشروع إنتاج حربي في تاريخ أوروبا. تشترك في إنتاجها إنجلترا، وألمانيا بنسبة الثلث لكل منهما، وإيطاليا بنسبة 21%، والباقي إنتاج إسبانيا. ومن الغرائب أن هذه الدول كانت تتصارع بضراوة في الحرب العالمية الثانية قبل 74 سنة فقط... غمضة عين تاريخية. ومن الغرائب أيضا أن هناك مقاتلة بريطانية أثناء تلك الحرب بنفس الاسم، وكانت نشطة في دمار العديد من المنشآت دول المحور، فكيف تم قبوله من ألمانيا، وإيطاليا، وإسبانيا... وربما يعكس هذا القبول الروح الرياضية بين الدول، علما بأن اسم «التايفون» عندما بدأ تصميمها كان «يوروفايتر» أي المقاتلة الأوروبية. ثانيا: المراجع الهندسية الأساسية لتركيب الأجزاء الأساسية للطائرة مكتوبة ب4 لغات وهي لغات البلدان المصنعة... وللعلم، تتصف صناعة الطائرة بعمليات معقدة جداً، وعلى سبيل المثال، فيتم تصنيع الجناح الأيمن في إيطاليا، والجناح الأيسر في إسبانيا. ويتم شحن مكونات الطائرة إلى ال4 مصانع في البلدان المعنية. وتحتوي الطائرة على كمية أسلاك خرافية فلو وضعتها في خط مستقيم فسيكفي لتغطية ثلثي المسافة من «الطندباوي» في مكةالمكرمة إلى وسط البلد في جدة. ثالثاً: هي من الطائرات الفريدة التي تستطيع أن تحلق لفترات مستمرة بسرعة تفوق سرعة الصوت بدون استخدام حرق الوقود المباشر في مؤخرة المحرك كما يسمونه Reheat في إنجلترا أو Afterburner في أمريكا. وهو ما يشبه أن تتسارع بدون عناء وبسرعة للوصول لأسرع سرعة في سيارتك بدون أن تلجأ «للتعشيق». ويسمى التحليق المتميز Supercruise. رابعاً: صممت هذه الطائرة لتكون بعيدة كل البعد عن الثبات أثناء الطيران. وذلك بهدف أن تتمتع بأعلى القدرات على المناورة. ولكن في جوهر التصميم ستجد 4 حواسيب متطورة لضمان الثبات من خلال ملايين العمليات في كل ثانية، وبدونها لا يمكن أن تطير المقاتلة. خامساً: تتطلب عملية التصنيع دقة تفوق الوصف، وأحد الأمثلة هو تقنين الثقوب في تركيب قطع الطائرة، فمعظم الطائرات مصنوعة بالنسبة الأكبر من معادن الألمونيوم، وبعض التايتنيوم، والحديد الصلب ويتطلب تركيبها آلاف الثقوب، وأما هيكل التايفون فمكوناته الأساسية هي طبقات الكربون المعالجة، وأما المعادن المذكورة لمعظم الطائرات فنسبتها لا تتعدى 20%. ويشمل التصنيع «طبخ» تلك الطبقات من المواد الكربونية القوية على درجة حرارة مرتفعة جدا بداخل أفران عملاقة، ويوفر ذلك قوة هائلة لهيكل الطائرة مع خفة في الوزن، ويقلص الحاجة الى عدد الثقوب لتركيب القطع بإحكام. أمنية: قواتنا الجوية دائما سباقة في الحصول على المقاتلات الحديثة والسابقة لأوانها، حصلت على مقاتلة «اللايتننج» البريطانية في الستينات الميلادية فكانت الأسرع على مستوى العالم، وحصلت على طائرات «الإف 5» في السبعينات فكانت من الأحدث في العالم، ثم «الإف 15» و«التورنيدو» في الثمانينات فكانتا سابقتين لزمانهما، والآن لدينا «التايفون» لدعم الأسطول المتميز. كلها تشغل بأيادٍ وطنية مخلصة ومؤهلة بأعلى الدرجات. أتمنى أن نتذكر اليوم وكل يوم أنهم الخط الأول الرادع دائماً بتوفيق الله، أرفع لهم شكري وتقديري واحداً واحداً، بدءاً من سمو قائد القوات الجوية الفريق الركن/ تركي بن بندر بن عبدالعزيز آل سعود، فلهم جميعاً جزيل الامتنان والتوفيق بمشيئة الله عز وجل، وهو من وراء القصد. * كاتب سعودي