هي أحد الكائنات البحرية التي تتميز بنفث الماء المضغوط بداخلها لتندفع تحت الماء بسرعات جبارة وبمناورات مذهلة، وتتميز أيضا بقدراتها على التخفي باستخدام منظومة اختباء رائعة جدا للصيد، والهروب. ولكن موضوع هذا المقال هو طائرة اللايتننج Lightning الأمريكية الحربية: هي أحدث طائرة مقاتلة في العالم اليوم، والأعلى تكلفة، و«الأسخن» سياسيا. ومعنى الكلمة الإنجليزية «البرق»، وهي ثاني مقاتلة أمريكية من إنتاج شركة «لوكهيد» يطلق عليها هذا الاسم، وكانت الأولى قبل حوالي ثمانين سنة من طراز P38 عند اندلاع الحرب العالمية الثانية. وكانت تلك المقاتلة فريدة في كونها ضخمة وبمحركين جبارين. ولكن بالنسبة لي شخصيا هناك ذكرى جميلة جدا مقرونة بهذا الاسم، وهي ذكرى مقاتلة بريطانية الصنع عملت في القوات الجوية الملكية السعودية منذ حوالي نصف قرن. وكانت تلك الطائرة التي شغلتها أيادٍ وطنية مخلصة من أسرع وأفضل المقاتلات في العالم. كانت فريدة في شكلها، وأدائها، وكانت سابقة لزمانها بمعنى الكلمة. وكانت تتمتع ببعض المميزات الفريدة، ومنها وضعية محركيها النفاثين الجبارين، وكانا مثبتين واحدا فوق الآخر، وهذه الميزة سمحت لئن يكون جسمها نحيفا جدا، وأن يكون ذلك من العوامل التي ساهمت في أن يكون أداؤها في التسارع، والسرعة، والصعود، والمناورة متميزا عن منافساتها من الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفيتي. وأما الطائرة المعنية في هذا المقال، فهي معروفة فنيا باسم إف 35 (F35)، وهي فريدة في فلسفتها؛ لأن وزارة الدفاع الأمريكية قررت أن توحد احتياجات القوات المختلفة في طائرة واحدة أساسية: ومن خلال ذلك، تشترك قوات سلاح الطيران، والبحرية، ومشاة البحرية في الطراز الأساس الواحد لتخفيض التكاليف، وتيسير العقود، وتقليص «وجع الرأس». ولنتخيل هذه الفلسفة، تخيل أن تفرض الحكومة أن تكون السيارة الأساسية للشعب هي «الكامري» مثلا، مع السماح بتغيير الألوان، وبعض المحركات... مو غلط، ولكنها وجهة نظر غير تقليدية. وللعلم، فكل من تلك القوات لها متطلبات مختلفة عن الأخرى: البحرية مثلا تطلق طائراتها من حاملات الطائرات، وبالتالي فمدرجاتها قصيرة جدا، وأما سلاح الطيران فليس لديه مشاكل في المدرجات. الشاهد أن أمريكا عانت من هذه المشكلة في مطلع السبعينات عندما حاولت أن تنتج مقاتلة لتناسب جميع احتياجات قواتها.. وكانت النتيجة أنها أنتجت طائرة لم تنجح في مهامها الأساسية.. وبالمناسبة فاسمها إف 111 وشهرتها «آردفارك» Aardvark F111، ومعناها «خنزير الأرض» أو «شفاط النمل». وخلال الشهر الماضي، بدأت القوات الأمريكية بتشغيل بعض الأسراب المحدودة من طائرة الإف 35 في الولاياتالمتحدة. علما بأنها ستصدر مستقبلا إلى العديد من الدول، ومنها الكيان الإسرائيلي، وبريطانيا، وكندا، وأستراليا، وهولندا. ونعود إلى عنوان المقال، فنجد أن أوجه التشابه بين هذه المقالة والحبارة كبيرة جدا. تعتمد ال«إف 35» على نظام دفع جديد بالكامل، فبالإضافة إلى محركها النفاث الذي يعتبر الأحدث والأقوى لأي مقاتلة، فهناك منظومة لإيصال بعض من ذلك الدفع الجبار الذي يعادل قوة حوالي ألفي سيارة «كامري» إلى مروحة كبيرة بداخل جسم الطائرة لتشغيلها لتقلع أو تهبط رأسيا مثل الطوافة «الهليوكوبتر». وتتكون المنظومة من «جيربوكس» و«كلتش» وأبواب، وأنابيب، وتحكم إلكتروني يحتوي على ملايين الأوامر الذكية جدا بداخل حواسيب الطائرة لتفعيل كل هذه «الهيصة». وللعلم، فقد استفادت هذه التقنية من طائرة مقاتلة بريطانية رائعة صممت منذ حوالي نصف قرن اسمها «هاريير» Harrier، ولذا فأحد أهم الشركاء في التصميم والتصنيع هي شركة رولز رويس البريطانية. ولا تقتصر مميزات اللايتننج على الإقلاع من مسافات قصيرة جدا والهبوط العامودي، فهي تتحلى بصفات التخفي بتقنيات طائرات «الشبح» Stealth، وتستطيع أن تتغلغل في الأجواء آمنة شرور الرادار بمشيئة الله. وتستطيع أن تقلع وتهبط في أصغر وأصعب الأماكن، وأن تمارس حرية المناورات العجيبة من خلال تصميمها المميز.. مثل الحبارة. أمنية بالرغم من عشقي الشديد للطيران، وللتقنيات المتقدمة، أجد صعوبة شديدة في قبول هذه التطورات. من المتوقع أن كل طائرة من طراز إف 35 ستفوق تكلفتها الأربعمائة مليون ريال. يعني عندما أنظر في صورة تلك الطائرة أتخيل مستشفى محترما كان يمكن بناؤه، أو ربما كلية علوم وتقنية أو هندسة. يعني بدلا من سرب من هذه الطائرات، يمكن بناء مستشفيات، وكليات، ومدارس، ومنشآت حضارية لخدمة الإنسان. أتمنى أن يعيد العالم حساباته، وأن يقيم أولوياته، والله الهادي، وهو من وراء القصد.