عدت منذ أيام من رحلة إلى الهند، رحلة ممتعة إلى بلد عريق يعتز بتراثه الغني وتاريخه المميز. ومن أهم الأشياء التي يعتز بها كان المطبخ الهندي ومدارسه المختلفة المنتشرة في أنحاء مناطق الهند الواسعة. وقد استمتعت بقراءة موسعة عن ذلك الأمر في كتاب جميل وشيق باللغة الإنجليزية باسم «تاريخ الأكل في الهند»، ويوثق الكتاب أدوار مناطق بعينها في تكوين وبالتالي التأثير على صناعة المطبخ الهندي، والمساهمة في نشره حول العالم. مقاطعة أو ولاية البنجاب لها المكانة الأهم، فهي خلف خبز النان والتندوري والتكا والأجبان وذلك لأنها الولاية الأهم والأكبر في إنتاج الألبان، فيما أبدعت حيدر آباد في إنتاج أصناف «البرياني» البديعة، ومن دلهي جاءت السمبوسة. وذكرني ذلك الأمر باهتمام فرنسا بالمطبخ واعتبار الطهي وفنون مدارسه شأنا ثقافيا بحتا يتبع فعليا وعمليا وزارة الثقافة. تمعنت في المطبخ السعودي والأطباق الناجحة التي باتت معروفة عنه، واليوم مع حالة «النشوة» الثقافية الحاصلة في السعودية من المفيد توثيق وتأريخ المطبخ السعودي الغني في مناطق البلاد. فالأحساء معروفة بالأكلة الرائعة «المفلق» التي يعشقها كل من تناولها، وما ينطبق على المفلق يقال أيضا على المضروبة والمثخول والسلقية والصالونة والثريد. وفي نجد هناك المرقوق والجريش والبادية والمطازيز والحنيني، وفي حائل هناك كبيبة حائل مع عدم إغفال الدولمة التي يتفنن فيها أهل الزبير. وفي جيزان هناك المغش والمرسة والسمك والمكشن والمفالت، وفي عسير هناك الحنيذ والعريكة والقرص والفطير والسويق، وفي نجران هناك الوفد والبر والسمن والرقش والحميسة. وفي الحجاز هناك المنتو والمطبق والرز البخاري والسليق والدبيازة والرز الكابلي والمعدوس والتميس والكباب ميرو. طبعا هناك العديد من الأطباق الأخرى التي لا يتسع لها المقال، ولكن الغاية من التأريخ والتوثيق هو التذكير بأن هذه البلاد كانت منذ القدم مكانا لاختلاط الحضارات والثقافات، فمطبخ أهل الأحساء تأثر بالعراق وأهل الخليج العربي وإيران وتركيا ونجد تأثر مطبخها بالعراق وحراك أهل الزبير والعقيلات، وفي نجرانوجيزانوعسير تأثروا باليمن، وفي الحجاز تأثروا بثقافات من زار واعتمر وهاجر واستقر، وفي حائل التي كانت تاريخيا موقعا إستراتيجيا لقوافل التجارة اكتسب مطبخها من الكثيرين. السعودية غنية وثرية في ثقافة مطبخها وآن الأوان للاحتفاء به وتأريخه بالشكل الحقيقي واللائق. * كاتب سعودي