أظنّ - وضمن حدود معينة - أن الثقافة الغذائية في المنطقة الغربية من بلادنا جدةومكةوالمدينة والطائف أخذت وقتا طويلا كي تنتقل إلى المنطقة الوسطى (نجد). وعلى كلّ حال فكانت أسرع من انتقال معطيات نجد الغذائية وأسلوب عيشتها، إلى منطقة الحجاز. أقرّب هذا قليلاً فأقول إن أهل مكةوجدة، حتى وقت قريب لا يعرفون الكثير عن "المطازيز" والحنيني "و التاوه" و"المرقوق" بنفس السرعة التي انتقل فيها "شريك" المدينة والتميز البخاري والفول والسليق والمنتو. فامتلأ شارع الخزان (عند انتقال الوزارات) بدكاكين بيع أطعمة يُجلب الجزء المقوّم منها من الحجاز، وكذا الوصفة. وندرة تقبّل الأكل الحجازي ترويه طُرفة تقول: إن شاباً من القصيم ذهب إلى مكةالمكرمة أو لعلها جدة للعمل، وكتب إلى والده أن الأمور على ما يرام، والمعاش طيب والحال على أحسن مايكون. غير أن أحد القادمين من الحجاز - وقد ذهب للسلام على الوالد قال له: إن ابنك أصابه بعض الضعف في الدين والعقيدة، فهو "يأكل فول وتميز". وفي هذا بدعة وضلالة. فتحمّس الأب وذهب لزيارة ابنه. وفي الصباح أحضر الابن طعام الإفطار المكوّن من خبز التميز الحار والفول والشاي. وارتاح الأب لهذ الطعام اللذيذ المذاق والشهيّ الرائحة فأكل منه واستطعمه. وبعد الانتهاء من الفطور وتناول الشاي والقهوة سأل الأب ابنه عن حقيقة "البدعة والإحداث" في سلوكه الغذائي، وأن هذا يقود إلى إضعاف الإيمان، وفساد المذهب. فماهي حكاية الفول والتميز اللذين يأكلهما الناس هنا، وصرتَ منهم. قال الابن: الفول هو الغموس اللي غمّستَ فيه قبل قليل، والتميز هو الخبز. والطرفة - إن صحت الرواية - لا تعني أن سكان المنطقة الوسطى بعيدون عن الجديد والتجديد، فهم جلبوا معهم من الشام تحضير نوع من الكعك (أو الكيك) وسمّوه "قرص عقيل" بسكون العين وكسرالقاف، نسبة إلى رحلات عقيل المعروفة. كذلك فإن سكان بلدة الزبير في جنوب العراق - وكلهم من نجد -تفننوا في أكلات عراقية مشهورة مثل "الموّش" و"مجبوس السمك" و"الدولمه" وهي ملفوف ورق العنب ومختلف أنواع المحشي. مع احتفاظهم بولعهم وميلهم إلى "الجريش". قصدي القول إن الثقافة الغذائية تنتقل إلى نجد أكثر مما تنتقل منها.