اعتاد عبد الرحمن المهيني 45 سنة، ومنذ زمن على وجود الرز في وجبتي الغداء والعشاء، ولا يوجد بديل لدى المهيني كما هي الحال لدى معظم السعوديين، عن هذا الصنف من الطعام بأي حال من الأحوال، بل إن الشهية للرز تحثُّ على تناوله في بعض الأحيان صباحاً عند الإفطار، ولا يجد المهيني حرجاً من ذلك، فهو يؤمن بأن"الرز يُساعد على تقوية جسمي، ويمنحني النشاط الذي يلزمني، وهو المصدر الأساس لغذائي اليومي". ويشكل الرز على الموائد وجبة رئيسة لا يمكن الاستغناء عنها، لذا يكون في مقدمة أطباق الضيافة، وهو دليل على الكرم والبذل، إلى جانب كونه غذاء تربع لسنوات طويلة على عرش المائدة من دون منازع. ولم يكن الرز الأبيض هو الرئيس بل ناب عن الأسمر، أو ما يعرف ب"الحساوي". ويذكر المهيني"كان الرز الحساوي الأسمر الأكلة الرئيسة في الغداء والعشاء، على حد سواء، فيما كان تناول الأبيض موسمياً، إن لم يكن نادراً، لكن الزمن تغير، واستبدلت المائدة الأحسائية البسمتي الهندي وأصناف أخرى، برزها الأسمر، إلا أن العلاقة بين سكان الأحساء وبين هذا الصنف من الطعام علاقة وثيقة، وليس مجرد غذاء نتناوله لملء المعدة". وتقلص وجود الرز الأسمر الذي اشتهرت محافظة الأحساء بزراعته، خلال العقود الأربعة الأخيرة، لضعف الإقبال على زراعته، بسبب نقص المياه، على رغم وجود عدد محدود من المزارعين يواصلون إنتاجه، بكميات محدود، ما رفع سعر الكيلو منه إلى نحو 30 ضعفاً من الرز الأبيض المستورد. وبسبب أهمية هذه الوجبة في المنطقة، وفي الأحساء على وجه الخصوص، أطلق عليها الأهالي أمثالاً عدة، منها أن"العيش الرز معيشة"، وقال آخرون"كُلْ سبعة عشر لقم قبضة وقم"، وأمثلة أخرى تدل على أن الرز كان، ولا يزال، مصدراً من مصادر القوة والطاقة والحيوية. ويقول جابر الحضري:"إن ما تنفقه الأحساء من الرز سنوياً يضيف إلى خزينة الموردين الشيء الكثير، والإقبال عليه منقطع النظير، ولعل الأحداث الأخيرة التي رفعت سعره ضمن موجة ارتفاع الأسعار جعلت الناس يلاحقون أي إعلان للتخفيضات، ليتزاحموا من أجل الحصول على أكبر عدد ممكن من أكياس الرز"، مضيفاً"أصحاب الخبرة يختارون الرز القديم، إذ يُقيّمون جودته بقدم تاريخ إنتاجه، والاختيار يخضع للخبرة والدقة في آن، ويتم من طريق أخذ حفنة من الرز وفركها براحة اليد، وتقريبها من الأنف، فللجيد منه رائحة تدل على ذلك، ومواصفات طول الحبة، وعدم تكسرها، وبياضها محفزات للاختيار، وحتى قياسه ومقدار ما يعزل للطبخ، اصطلح له مقياس خاص يسمى"الشيلة"الكيلة، وهي علبة صغيرة تحدد مقدار الرز، بحسب عدد من سيتناولونه". وتؤكد دلال علي الحسن أن"من مواصفات الزوجة الجيدة في المقاييس المحلية أن تكون مُلمة وخبيرة باختيار الرز وطبخه بجميع أنواعه، ومَنْ تذهب لبيت زوجها ولا تعرف طرق الطبخ تكون عيباً عليها وعلى أمها المسؤولة عن تعليمها"، مضيفةً ان"أول ما تدرب عليه الأم ابنتها المقبلة على الزواج، هو طبخ الرز، لأنه الوجبة الرئيسة التي ستُكرم بها زوجها وأهله، ودائماً ما تكون الفتاة الماهرة في إعداد الرز محط إعجاب وتقدير دائمين من جانب الزوج والأهل، وترجح كفة هذه الفتاة في الاختيار، إذا ما تقاربت المواصفات بينها وبين أخريات في الزواج". وتشير إلى أن"هناك طرقاً مختلفة متبعة في الأحساء في إعداد الرز، ولا ينبغي أن تُكرر الزوجة نوعاً ليومين متتاليين، لأنها بذلك ستكسر قاعدة الذوق، فأنا وضعت ترتيباً خاصاً بحسب أيام الأسبوع، ففي السبت مثلاً يكون موعد"المشخول"، والأحد"الأحمر"أو"المحمر"، والاثنين"المقلوبة"، والثلثاء"المندي"، والأربعاء"الأبيض"، والخميس"المرق"أو"الصالونة"، والجمعة"المفلق"أو"العيش الحساوي". ويفضل الكثيرون أكل الرز باليد على استخدام الملعقة، فلا"إتيكيت"مع هذه الوجبة الشعبية. ويقول حسن المحمد:"من العيب أكل الرز بملعقة، ما لم يكن هناك مانع صحي لذلك، لأننا نؤمن بأن الأكل باليد بركة، وتكريم للنعمة، التي وهبنا الله تعالى إياها"، مضيفاً"الرز صديق مائدة الغني والفقير على حد سواء، وفوائده لا يمكن حصرها، لذا تجده على موائد الجميع، وله تقدير خاص بين الخليجيين، إذ نمنحه الثقة في أن يكون في مقدمة موائدنا، والمخاوف من أن يُستغَل هذا الجانب وتأخذ أسعاره منحى تصاعدياً، وهذا ما لا نتمناه أبداً، فلا بديل عن الرز على الإطلاق"