تعتبر التجارة الإلكترونية أحد التعابير الاقتصادية الحديثة التي أصبحت تنتشر في العالم انتشار النار في الهشيم، فمن خلال شاشة جوالك يمكن أن تستغني عن الأسواق والمولات والمعارض، وهو ما يشكل تهديداً حقيقياً لأسس ومرتكزات التجارة التقليدية برمتها، بعد أن تزايدت الاستثمارات لصالح ميزان التجارة الإلكترونية، وليس أدل على ذلك من أن «جيف بروس» الرجل الأول في «أمازون» قد ارتفعت ثروته الصافية من 78.5 مليار دولار في العام 2017 إلى 160 مليارا عام 2018 أي بنسبة 104% خلال عام واحد، وذلك بسبب ارتفاع سعر أسهم الشركة، ليزيح بذلك صاحبنا «بيل جيتس» عن موقعه لأول مرة، ويتربع على هرم أغنى رجل في العالم. وقس على ذلك شركة «علي بابا» الصينية ومؤسسها «جاك ما» وغيرها من الشركات المماثلة التي تقوم بدور مماثل حول العالم. لقد بدأت مفاهيم التجارة التقليدية وثقافة التبادل التجاري بالتقوض إذن، فلم يعد هناك قيود للبائع أو المشتري في هذا النوع من التجارة كالمكان وتكاليف المحل من إيجار ومعدات، وكذلك توقيت البيع والشراء الذي يجري سوقا مفتوحا على مدى 24 ساعة. علينا أن نأخذ ذلك بعين الاعتبار في خطط السعودة وبرامج ومشاريع التوظيف على المدى البعيد، خصوصا أنه يوجد في المملكة 11.1 مليون مستخدم للتجارة الإلكترونية (صحيفة مال) يمثلون 72% من إجمالي السكان إضافة إلى أن معدل انتشار الإنترنت وصل إلى 76%، وأنه حسب تقدير هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات فإن حجم معاملات التجارة الإلكترونية سيرتفع إلى 30 مليار ريال، وهو ما يعكس النمو المتزايد لهذا النوع من التجارة ومدى انعكاساتها على طبيعة الاستثمارات القائمة في التجارة التقليدية وحجم النمو الإيجابي أو السالب في عمليات التوظيف في التجارة التقليدية وما ينسحب منها على التقنيات والبرمجيات التي أصبحت تسود قطاع الخدمات عموما والذي يفترض أن يشكل 60% من مكونات القطاع الخاص. نحن إذن إزاء متغيرات سريعة في أساليب وأنماط التجارة، علينا أن نأخذها بعين الاعتبار وانعكاساتها على هندسة الأسواق ومتطلبات أسواق العمل وربط هذه التطورات بتوجهات التعليم الجامعي وتخصصاته المطلوبة.