تضرب أجهزة حكومية خدمية بمنطقة عسير بالتعليمات المنظمة للعمل الإعلامي عرض الحائط، ولا تكتفي بتجاهل وعرقلة عمل وسائل الإعلام، بل تذهب إلى أبعد من ذلك، حيث ممارسة الترهيب على الصحفيين يصل أحياناً إلى محاولة التدخل في ما يكتبون، والتأكيد على الالتزام بما يرد إليهم من مواد خبرية مكتوبة (معدة سابقاً)، وكأن دور الصحفي أضحى ناقلاً لمنشورات العلاقات العامة. وتتناسى الجهات التي تحاول تعطيل مهمة الصحفي، أن الصحافة لا تحتاج إلى إذن مسبق لممارسة عملها، ولن تستأذن في التنقيب عن الحقيقة، وأن الصحفي لن يرضخ لكل محاولات الترهيب. وتحاول جهات أخرى محاصرة العمل الصحفي بتفسير غريب للأنظمة، إذ يستخدمون حجة «أن التصوير في الأماكن العامة» ممنوع، ويحاولون إدخال المباني الحكومية داخل إطار تفسيرهم، رغم أن منع التصوير ينحصر في أماكن قليلة، كما أن التنظيم الصادر في عام 1426 منع التصوير في الأماكن التي توجد بها لوحات تمنعه. الزميل علي فايع ذهب إلى أن التعاون بين الإعلام والأجهزة الحكومية بمنطقة عسير غير موجود، مستدركاً «إن تمّ هذا فإنه يكون متأخراً جداً أو ناقصاً أو متحفظاً». ويسرد فايع تجربته في التواصل مع الأجهزة الحكومية قائلاً «في أسوأ الحالات التي مررت بها أن يتحول استفسارك الذي كان خاصاً بصحيفتك إلى بيان عام، يتم تعميمه، مع أنك من أثاره أو استفسر عنه». وأوضح أنه ليس ممن يحرصون على توجيه الدعوة له لحضور المناسبات، ولا يلبيها إن وجهت له، ولا يعتب على أهلها في تجاهله، لأنها دعوات في غالبها «تلميع والهدف منها تسويقي خالص»، مشيراً إلى أن الدعوات في العادة توجه للإعلاميين الذين «يبيضون وجه الداعين»، ومن ثمّ يريدون انعكاسات إيجابية على الدعوة بالنشر على حساب الموضوعية في أحايين كثيرة. وأكد أنه بحسب علمه فإن دخول الصحفي للإدارات الحكومية متاح، ولكن الحديث مع الناس لا يكون إلا بتنسيق مسبق، «وإن اكتشف أمر الصحفي فالله يستر»، والتنسيق في هذه الحالة له أضراره، التي عادة تبرز لك محاسنها وتخفي عنك عيوبها. ولخص فايع معاناة الصحفيين في عسير بالقول إنه لم يعد هناك صحفيون يبحثون عن المتاعب إلا نادراً، وما هو ظاهر اليوم إعلاميون يبحثون عن العلاقات العامة، ويكتفون بما يصل إليهم من أخبار. ويتهم فايع «مراكز إعلامية» بإفساد العمل الصحفي، وتحول عديد من الصحفيين إلى مندوبي علاقات عامة ومجاملات على حساب المهنة والتزامه بنقل الحقيقة إلى المواطن، الذي يستحق أن تقف معه السلطة الرابعة، وتكشف للمسؤولين معاناته واحتياجاته. ولفت إلى أن الطرق المثلى لتمكين الصحفيين من أداء واجباتهم تجاه التنمية والمواطن بمنطقة عسير كثيرة منها أن تلتزم المؤسسات الصحفية بنشر الحقيقة، وأن يحاسب كل صحفي يخدم نفسه على حساب مصالح الناس واحتياجاتهم، وأن تعنى الصحف بتمييز صحفييها فيكون العمل الصحفي مقياساً فعلياً لهذا من ذاك، مع إلزام الدوائر الحكومية بالتجاوب مع الصحفيين، وأن تكون هناك مرونة من قبل الصحف بالنشر في حالة لم يستجب المسؤول أو الإدارة المعنية بالسؤال. تعامل لا يرتقي للحضور ويعتبر الزميل علي العكاسي، أن التعاون المؤمل في معظم الأجهزة الحكومية مع الاتجاه الإعلامي «يظل بطيئا ومترددا»، لافتاً إلى أنه يخضع كثيراً للمزاجية في التعامل، ولا يرتقي إلى الحضور الاحترافي المنتظر، خصوصاً مع القضايا التي تلامس هموم المواطن اليومية وملاحظاته وتطلعاته. ويستشهد العكاسي بما تنقله وسائل الإعلام في منصاتها قائلاً «لا تجد التجاوب السريع والوقوف على مكامن الخلل بكل أسف». ويضيف متأسفاً «علاقة العديد من الدوائر الحكومية مبنية على العلاقات الشخصية، وهذا ينعكس في مستوى التواصل». ويشير إلى أن ما يسميه حالة «الإقصاء أو الرضا» التي تسود التعامل بين الطرفين أدى إلى تغييب الوقائع والحقائق، التي يجب أن تظهر للمتلقي بكامل تفاصيلها المبهج منها والمظلم. يؤكد العكاسي في رده على إمكان رصد الصحفي معاناة المواطنين في أي دائرة حكومية، تعتمد على وعي مسؤول العلاقات العامة في كل دائرة. ولا يخفي العكاسي النماذج المشرقة في المسؤول الحكومي في عسير، قائلاً:«كانت هناك بعض الأسماء التي ساهمت في حرية التعبير وإتاحة الفرصة لنقل معاناة المواطن ونقده وأمنياته والتعليق عليها والمساهمة في حلولها». ولا يبرئ العكاسي الوسط الصحفي من المساهمة في المشكلة، لافتاً إلى «دخلاء الإعلام والنفعيين» الذين يعرّفهم ب«من يعطلون توجهات وأدوار الإعلام الصادق والأمين»، مضيفاً «تخرج الصورة لدى المسؤول لرسالة الجهاز الإعلامي الحر وهي مشوهة ومشروخة وهابطة». مسؤولون يهمشون رسالة الإعلامي ويرى الزميل سعيد آل جندب، أن التصوير داخل الجهات الحكومية ذات العلاقة بهموم المواطن «أمر صعب»، وأنه «غير ممكن» أحيانا في ظل التشديد الإداري وعدم الثقة بالصحفيين من قبل العاملين في هذه المرافق. وقال آل جندب إن تعاون الأجهزة الحكومية الخدمية بمنطقة عسير مع وسائل الإعلام يتباين من قطاع إلى آخر، معتبراً أن خلاصة معاناة الصحفيين تكمن في عدم تجاوب المسؤولين، وتقدير مهمتهم الإعلامية. ويرى أن الطرق المثلى لتمكين الصحفيين من أداء واجباتهم تجاه التنمية والمواطن بمنطقة عسير تأتي من خلال فتح قنوات تواصل مع الإعلاميين، والعمل على تقدير الرسالة الإعلامية، وتسهيل مهامهم ورسالتهم الإعلامية، التي يسعون لتحقيقها وتوصيلها. ولا يخفي الزميل سعيد آل هطلاء امتعاضه من فتح الأجهزة الحكومية الخدمية بمنطقة عسير للحسابات الدعائية في مواقع التواصل الاجتماعي، أمام إغلاق الأبواب في وجه الصحفيين الذين يبحثون عن الحقائق. مسؤولون «يشخصنون» النقد الهادف ويلفت الزميل حسن القبيسي إلى أنه في الوقت الذي يوجد متحدثون في جهات حكومية عدة يتواصلون باستمرار مع الجميع ويردون على أي استفسار، يبرز متحدثون آخرون على النقيض تماماً، يعرقلون عمل الصحفي في طريق التنقيب عن الحقيقة. ويقترح القبيسي عمل الجهات الحكومية على تأهيل وتدريب متحدثيهم لكي يتعاملوا مع الإعلام بشكل أفضل مما يحدث الآن. ويرى أن ثمة بعض المسؤولين لا يهمه إلا إظهار الجوانب الإيجابية ويحاربون أي محاولات لنقدهم في مهدها من خلال التعطيل وعرقلة عمل الصحفي. ويضيف «الصحفي يعاني من دخول أي دائرة حكومية لرصد انطباعات المواطنين ومعظم الدوائر الحكومية ترفض التصوير في مرافقها». وأكد أن ثمة مسؤولين يرجعون أي انتقاد صحفي لعمل إدراتهم إلى «الاستهداف الشخصي» وهذا غير صحيح، مضيفاً «ولهذا يجب أن يدرك المسؤولون أن الصحفي الناجح هو صوت المواطن». وطالب من خلال صحيفة «عكاظ» بملتقى يجمع إعلاميي منطقة عسير مع اثنين أو ثلاثة من المتحدثين الرسميين لمناقشة أبرز المواضيع التي تهم الجانبين، خلال فترات متقاربة. ثقّفوا المسؤولين بدور الصحافة ومن الجانب الآخر، يرى الزميل عبدالله مريع أن تعاطي الأجهزة الحكومية بمنطقة عسير يختلف من حيث التعامل مع ما قد يتطلبه الموقف الإعلامي، باعتبار أن هناك من يبادر بالرد والتفاعل السريع، بينما هناك و«هم قلة» من لا يولي ذلك أي اهتمام مطلقاً. ويضيف أن الكثير من الجهات الحكومية بالمنطقة لديها مراكز إعلامية متخصصة وناطقون إعلاميون يقومون بتلك المهام حسب توجيهات مسؤوليهم. وأوضح أن النظرة العامة لهذا الأمر إيجابية لاسيما في الأعوام الأخيرة. وأضاف: «ليس هنالك توجيه شخصي بحضور مناسبات الدوائر الحكومية، وإنما في الغالب تكون دعوة عامة للجميع، وأحياناً تكون هناك صعوبة في الدخول». وعن إمكان دخول الصحفي لأي دائرة حكومية لرصد معاناة المواطنين، يؤكد مريع «لا أتصور أن ذلك متاح وقد توجه إلى الإعلامي التهم في حال التصوير، وقد يقال له إن هذه الخطوة من الجرائم المعلوماتية!». وأشار إلى أن الطرق المثلى لتمكين الصحفيين من أداء واجباتهم في عسير تتطلب ثقة المسؤول وإيمانه العميق بدور الصحافة في الوصول إلى الخبر، وإيضاح الحقيقة ونقل المعاناة، وإبراز الإيجابيات لتلك القطاعات، وكذلك التقدير الشخصي والمهني لهذه المهنة، التي تشكل عين المسؤول وإحساس المواطن بكل شفافية وصدق، خدمة لهذا الوطن المعطاء. صحفية: مناسبات حكومية تمنع دخولنا مع الصحفيين! تؤكد الزميلة نورة مروعي، أن بعض الأجهزة الحكومية في عسير، لاتزال تنظر للإعلام ودور الإعلامي ب«نظرة قاصرة»، وكأنه عدو للمنشأة وليس شريك نجاح إستراتيجيا لأي عمل، موضحة أنه «ربما يكون تعاطي الإعلامي مع بعض القضايا بحدة سبباً في ذلك ولكن لا يبرر ذلك لكثير من المنشآت الغموض الذي يلف عملها وعدم حرصها على التواصل الإيجابي، الذي يخدمهم ويسهل مهمة الإعلامي في تأدية دوره الفاعل في كونه همزة الوصل بين المواطن والمسؤول». وطالبت مروعي بالشفافية والوضوح، مشيرة إلى ما سمته ب«نرجسية وعنجهية» بعض المتحدثين للجهات الحكومية تجاه ما يوجه لهم من نقد لقصور في الأداء، والمركزية في تعاملهم وهما سببان مهمان جداً في فشل العلاقة بين وسائل الإعلام والمنشآت الحكومية والخاصة. وأوضحت أن جهات حكومية تتجاهل الإعلاميات في الدعوات الصحفية، معتبرة ذلك بأنه «تمييز بين الجنسين في هذه المهنة». وقالت إن وجهت الدعوات في أحايين قليلة فيكون ذلك على مضض أو استحياء، وتعامل كحاضرة وليس كإعلامية لها ما لها من حقوق مهنية وعليها ما عليها من واجبات، فلا يحق لها الاقتراب من المناطق التي يصل إليها الاعلاميون، ولا يحق لها عمل لقاء مباشر لجهتها الإعلامية، ولا يمكن لها الانفراد بمادة تخصها لأنها لا تستطيع من الأساس الوصول إلى المسؤول في أي مناسبة أو فعالية، وبعض المناسبات لا يسمح للإعلاميات بالدخول!. وأشارت إلى أن كثيرا من الإدارات الخدمية تعتقد أن منشورات العلاقات العامة هي كل ما يحتاجه الإعلامي، متجاهلين أن الإعلاميين أو الإعلاميات المهنيين لكل منهم أدواته المهنية، التي يتميز بها عن غيره في صناعة مادته الإعلامية. وطالبت بعقد مؤتمرات صحفية دورية أو اجتماعات شهرية مع الصحفيين والصحفيات على حدة سواء للاستماع بكل شفافية للمشكلات التي يواجهونها مع الإدارات الحكومية والقطاع الخاص، وأن يعمل حصر واقعي وفق قاعدة بيانات بكل إعلاميي وإعلاميات المنطقة عن طريق رابط تسجيل، بحيث تصل لهم رسميا كل الدعوات ولا يستثنى منها إعلامي لأسباب شخصية، وأن يكون هذا الرابط على مستوى المنطقة وليس على مستوى المحافظات، وأن تنظم إمارة منطقة عسير جدولاً دورياً للإدارات الحكومية بلقاء مع إعلاميي المنطقة، ويتم توثيقه ويرفع في هذا اللقاء التوصيات التي تهدف للوصول إلى تقييم واقعي وفعلي لأداء هذه الإدارات ومدى رضا «المستفيد الأول منها وهو المواطن». ضعوا «لوحاتكم» إذا أردتم «منع» التصوير تتحجج جهات حكومية عدة في عسير في عرقلة العمل الصحفي داخل مبانيها ب«نظام منع التصوير»، رغم أن تنظيم التصوير في الأماكن العامة والمناطق السياحية، يسمح بالتصوير في كل مكان عام لا توضع فيه لوحات تشير إلى منع التصوير، وحظره في الأماكن التي يوضع عليها لوحات تشير إلى ذلك. وينص التنظيم على أن تضع الجهات والمؤسسات والمنشآت الكبرى العسكرية والمدنية والصناعية ضوابطها الخاصة في موضوع التصوير والتصريح بالسماح به داخل منشآتها ومرافقها وفق ما تراه مناسباً للمصلحة العامة، مع التوصية بتيسير الأمر ما كان ذلك ممكناً، والاسترشاد بهذا التنظيم في ضوابطها، والتقيد بما يرد فيه خارج أسوارها، ومنها على سبيل المثال لا الحصر الحرمان الشريفان، والقواعد العسكرية، والمدن الصناعية، والمطارات ذات الاستخدام المزدوج أي (المدني والعسكري) وغيرها. ويؤكد التنظيم حق الجهات التي تتم مخالفة ضوابطها في مواقعها الخاصة في التعامل مع من يفعل ذلك بما يرد في تنظيماتها، كما يتم التعامل في بقية الأماكن عند التعدي على حقوق الأشخاص أو الأملاك الخاصة أو العامة وفق ما تقتضيه كل حالة، على ألا يتجاوز ذلك مصادرة الأفلام ولفت النظر إذا ثبت حسن النوايا ما لم تتكرر منه المخالفة فتتخذ الجهات الأمنية الإجراء المناسب حسب كل حالة. ويشير التنظيم إلى ضرورة كتابة اللوحات المرشدة إلى منع التصوير بخط مقروء وواضح باللغتين العربية والإنجليزية مع الرسوم التوضيحية، وأن توضع في مكان بارز في الموقع الذي يحظر فيه التصوير، كما يدعو إلى العمل على توعية أفراد الجهات الأمنية المكلفة بمراقبة الأماكن التي يكثر تصويرها، وعقد دورات لهم بهذا الشأن، وتزويدهم بنسخ من التنظيم مع إيضاح بنوده وأهدافه، وإحاطتهم بأهمية تيسير الموضوع، والعناية بالتعامل معه شريطة عدم الإخلال بالواجبات الأمنية.