كلمة «ماكس» لاتينية مشتقة من كلمة «ماكسي موم» بمعنى «أقصى». وهي اسم أحد أحدث طائرات شركة «بوينج 737» الأمريكية. وهذا الطراز يمثل «أجدد القديم» إن صح التعبير. ويمثل تطبيق أحدث التقنيات على أقدم التصاميم. في عام 1965 قررت شركة بوينج أن تقدم مجموعة من الطائرات النفاثة لتخدم شرائح مختلفة في أسواق النقل الجوي. وكانت قد فازت بالريادة في مجال تصميم وتصنيع الطائرات النفاثة للمسافات الطويلة من طراز 707. وحرصت الشركة على الدخول أيضاً في مجال تقديم خدمة طائرات المسافات القصيرة للرحلات الداخلية التي تقل مسافاتها عن الألفي كيلومتر بتقديمها طراز 737. ولم تكن الأولى في تلك الشريحة، فقد سبقتها الطائرة الفرنسية من طراز «كارافيل»، والإنجليزية من طراز «باك 111»، والأمريكية من طراز «دي سي 9». ولكن البوينج قدمت أحد أروع الحلول الإبداعية في التصميم من خلال تقديم مقصورة أعرض من منافسيها. وتحديداً قدمت ستة مقاعد في كل صف في مقصورة تتميز بأنها أكثر وسعاً ورحابة من الطائرات الأخرى. واستخدمت نفس مقصورة البوينج 707 ذات المدى الطويل. ولكن لتحقيق المقصورة الواسعة، كان لابد من وضع محركي الطائرة تحت جناحيها. وللعلم ففي الطائرات المنافسة المذكورة أعلاه كانت فلسفة التصميم الدارجة هي وضع المحركين بالقرب من الذيل. وكان السبب الرئيس هو أن وضعهما تحت الجناح يتطلب أن تكون الطائرة مرتفعة عن الأرض من خلال «مد رجولها» لا مؤاخذة. ورفع الطائرة عن الأرض يسبب مشكلات تشغيلية؛ لأن العديد من تلك الطائرة القصيرة المدى كانت مصممة لتقوم برحلات كثيرة يومياً. وكان يتطلب ذلك أن تقلص وقت الانتظار على الأرض، ولذا فصممت لتحمل السلالم بداخلها في معظم الأحيان لتيسير دخول وخروج الركاب بسرعة. أضف إلى ذلك أن متطلبات الصيانة السريعة والكشف على الطائرة دائماً أسهل كلما كانت أقرب الى الأرض. ولكن شركة بوينج واجهت تلك التحديات بوضع المحركين تحت الجناحين بطريقة إبداعية: بدلاً من تعليق المحركين تحت الجناحين، تم رفعهما من خلال «تعشيقهما» تحتهما مباشرة. ونظراً لقرب المحركين من الأرض، فقد تم تزويدهما في بعض الأحيان بما يشبه المكنسة الكهربائية لنفخ التراب والعوالق من مقدمة المحرك. وكانت تلك المكانس عبارة عن أنابيب معدنية بطول يعادل تقريباً عرض الصفحتين في يديك. وكان شكل أول طراز من البوينج 737 يكاد يكون من تصميم شركة «ديزني». كانت الطائرة «دبدوبة»، أي أن جسمها كان بديناً نسبة إلى حجم جناحيها، ولكنه قدم ميزة فريدة في عالم الطيران التجاري وهو الجسم العريض نسبياً: ستة كراسي في كل صف. وللعلم، أن كل من الطائرات المنافسة لم تقدم إلا خمسة كراسي فقط. وفي عالم الطيران التجاري لا مجال لزيادة قطر مقصورة الركاب بأي حال من الأحوال، ولكن يمكن تمديد طولها. ولذا فاستطاعت البوينج 737 أن تتفوق على منافساتها وفازت بلقب إحدى أقدم الطائرات التي أنتجت بشكل مستمر في عالم الطيران التجاري. وللعلم فمنذ عام 1967 عندما أنتجت أول طائرة منها، باعت الشركة أكثر من عشرة آلاف طائرة مما يجعلها الأكثر مبيعا في عالم الطائرات النفاثات التجارية. واليوم نجد أن البوينج 737 «ماكس» هي التتويج لأفكارها عبر نصف القرن الماضي. وتستطيع معرفة شكلها ببصمة مميزة في أطراف جناحيها، فهي مزودة بزعانف رأسية كبيرة تمتد من تحت مستوى الجناحين إلى ارتفاع ما يقارب المترين فوقهما. أمنية: عندما دخلت البوينج 737 الخدمة في الخطوط السعودية عام 1972، غيرت مفهوم النقل الداخلي الفعال لأنها حققت الترابط بين أطراف المملكة بيسر بحوالى 26 طائرة نفاثة حديثة. واليوم ستكمل هذه الطائرة مشوارها مع شركة «أديل» التي طلبت 30 طائرة من طراز «الماكس». لا يجوز أن نتذكر ميزات الطائرة فحسب، فهناك ما هو أهم وأجدى: أتمنى أن نتذكر الرجال المخلصين الذين قاموا بتشغيل البوينج 737 عبر السنين ليمهدوا الدرب للنقل الجوي الذي تتميز به بلادنا. أكرمهم الله جميعا، وهو من وراء القصد. * كاتب سعودي