لم يتبادر إلى ذهن ذلك الشاب ذو ال 15 عامًا، الذي كان عاشقاً لرياضة السباحة ويهوى ممارستها في أندية محافظة الخرجالرياضية، أن يكون ذات يومًا رمزًا تتغنى به الأجيال بوصفه أحد اللاعبين الذين نقشوا أسماءهم على صفحات الوطن بأحرفٍ من ذهب بعد أن انتزعوا لقب أهم بطولة قارية في أول مشاركة رسمية للمنتخب السعودي قارياً. شايع النفيسة، ذائع الصيت في «السيح» أو «البقشة» (أحد احياء الخرج) والشهير بين أبناء منطقته ب«السباح الفنان»، توجه منتصف السبعينات الميلادية من القرن الفائت إلى نادي الكوكب مصطحبًا أمنياته التي يعيد ترتيبها بين حينٍ وحين، وهو حائرًا أمام موهبة تتملكه، ولعبة كرة القدم التي تستهويه، إلا أن قراره كان التسجيل كلاعب كرة في كشوفات نادي الكوكب، ثم ذهب إلى الصالة المغلقة للانضمام لفريق السباحة. فكتب أول سطر في مسيرته حينما لفت الانتباه برشاقته في المسابح، حتى تقدم يومًا صفوف المنتخب الوطني، وبينما يهم ذلك السباح اليافع في المضي نحو هدف يرسمه في الرياضة المائية، يجد نفسه أمام مفترق طرق بين حرفة سباحة تحرك جسده النحيل، و«مستديرة» سكنت قلبه ولا ينفك عن ممارستها مع أترابه هاويًا عندما تغيب الشمس كل يوم. طريقان وصفهما مدرب الكوكب وهو يردد: «عليك الاختيار ياشايع»، والصوت بداخله يقول: لابد من الاختيار، فمواعيد تدريبات السباحة وكرة القدم متضاربة، وبذات الهدوء الذي عرف عنه قرر أن يلعب الكرة. وفي أواخر عام 1979 ذهب أفراد شركة متخصصة في اكتشاف المواهب إلى محافظة الخرج لمتابعة مباراة بين شباب الكوكب وشباب الشرق فأسرتهم موهبة النفيسة، الذي قاد فريقه للفوز بخمسة أهداف نظيفة حملت توقيعه كلها، فقدمت الشركة تقريرًا عن «واعد» من شأنه تقديم الإضافة للمنتخب السعودي الذي يستعد للمشاركة في كأس الخليج الخامسة ليتبوأ شايع مقعده في القائمة المشاركة في تلك البطولة. وعلى رغم أنه يمثل فريق الكوكب في دوري الدرجة الأولى واصل شايع التحليق في سماء «الأخضر» رفقة «الصقور»، عندما أتيحت له الفرصة بالمشاركة في كأس آسيا عام 1984 بسنغافورة، والتي شهدت تألقًا سعوديًا على رغم أنها المشاركة الأولى في المسابقة القارية، ووسط إبهار «أخضر» بلغ النفيسة مع رفاقه المباراة النهائية ليلاقي خصم شرس اسمه الصين. يتذكر النفيسة اللحظات الحاسمة، ويقول:«لم أتوقع أن أخوض المواجهة أساسيا»، إلا أن المدرب خليل الزياني كان يستعرض القائمة الأساسية بشكل تراتبي حتى حان دور لاعبي المقدمة، مناديًا:«شايع النفيسة»، لم يصدق اللاعب الموهوب ما مر على مسامعه، ليبدأ الزياني تحضيره معنويًا ويخبره بأنه يعي تماماً ما يفعله، ثم تحدث له بثقه:«ستساهم في صنع الكثير إلى جانب ماجد عبدالله، ستتحرك بارتياح وتستفيد أيضًا من تحركاته»، وقبل أن يخلد إلى النوم عشية مباراة التاريخ، قال شايع لزميله الحارس عبدالله الدعيع:«سأسجل هدفًا في شباك الصين». يوم الأحد، ال 16 من ديسمبر عام 1984، دخل النفيسة مع «الصقور» إلى ميدان ملعب كالانغ في سنغافورة لمنازلة المنتخب الصيني، مسترجعًا كل لحظة عاشها في سبيل معانقة حلم لا يفصله عنه سوى 90 دقيقة، وبعد انطلاق صافرة الحكم بعشر دقائق فقط يراقب شايع الكرة وهي في السماء، ومن خلفه مرمى الصين، فيلتف بسرعة «السباحين» ويركل الكرة بعد استدارة ساحرة لتسكن الشباك ممهدة طريق الانتصار ثم تبعه ماجد عبدالله بهدف آخر، ليصعد المنتخب الوطني إلى منصة الذهب بطلًا لقارة آسيا، ويعود شايع إلى البلاد حاملًا معه في سجله هدفًا عالقًا في الأذهان، و«ذهبية» تعطرها العزيمة والمثابرة، وتاريخ سيُذكر عند كل موعد قاري.