رأى نقيب الحارة أحد شبابها واقفاً تحت «روشان» وهو يؤشر إشارات غامضة، فنهره قائلاً: ليه واقف تحت الروشان وتؤشر لمين يا ولد؟ فرد عليه بقوله: أحبها يا عم حامد! فقال له: تحبها؟ عساك بالسبع الحبوب! وليه ما تسترجل وتطرق باب أهلها إن كنت صادقاً فيما تقول؟ وسمع تلك الدعوة الملغمة شباب من الحارة فسألوا النقيب عن السبع الحبوب التي دعا بها على ذلك الشاب، فكان جوابه إنها العنقز والجدري والدمامل والخُرَّاج إلى آخر القائمة، فضحك من سمعوا جوابه حتى انقطعت أنفاسهم من شدة الضحك! هذه الصورة القادمة من الماضي غير البعيد تجسد قيماً أخلاقية كانت الحارة تهتم بها وتطبقها ولا تسمح بتجاوزها، فلا يستطيع شاب أو مراهق أو ما هو أدنى من ذلك أو أكبر عمراً أن يتحرش بالنساء العابرات أو يرفع بصره نحو النوافذ للتلصص بفتيات المنازل، وإن فعل ذلك شاب وجد من يزجره ويدعو عليه بالسبع الحبوب. ولكن مثل هذه القيم خفت صوتها خلال العقود الماضية حتى أصبح المجتمع يشكو من صور عديدة من صور التحرش والتطاول على الأخلاق إلى حد المطالبة بسن أنظمة أو قوانين لمكافحة التحرش، مع أن قيم المجتمع كانت في السابق كافية لردع المتحرشين دون تدخل الشرطة أو المرطة أو النيابة الميابة. وقد جاءني ذات يوم صديق مسن وهو في حالة انزعاج بعد أن رأى وهو يقود سيارته في أحد الشوارع السياحية بمدينة جدة مجموعة من الشبان تتكأكأ على سيارة بها مجموعة من البنات، وكان اثنان من أولئك الشبان يحاولان سحب إحدى الفتيات إلى خارج السيارة، وكان المدافع عنهن حتى اجتمع الناس للمساعدة في الإنقاذ، فارس من بني «ملايو» الذي كان سائق السيارة التي بها البنات، وكان تعليق صديقنا المسن على ما رآه يقول: أإلى هذا الحد وصلت الوقاحة وقلة الحياء والاستهتار بالقيم؟ وكان تعليقي على ما سمعته منه أن سردت عليه بعض ما أحفظه من شعر يدل على مروءة قائله ومن ذلك قول عنترة: وأغض طرفي إن بدت لي جارتي حتى يواري جارتي مأواها فهذا شاعر جاهلي ولكنه صاحب قيم خلقية وصدق الشاعر الذي يقول: يعيش المرء ما استحيا بخير ويبقى العود ما بقي اللحاء! * كاتب سعودي