لم تزل العديد من الشوارع العامة والأسواق المركزية في مدن بلادنا تعاني من ظاهرة تعرض بعض النساء والعائلات لشتى أنواع التحرش والمعاكسات الخادشة للحياء التي ترسم صورة قاتمة عن مستوى أخلاق المتحرشين وانخفاض القيم في سلوكهم وتربيتهم الخلقية، وقد كتب في هذا الأمر المشين مئات الكتاب ونشرت حوله آلاف المقالات واقترحت ضبط أنظمة حوِّل بعضها إلى مجلس الشورى لدراسته والرفع عنه، ولم يزل تحت الدراسة، فيما بقي الشارع متسيباً والسوق خاضعة لأهواء وتصرفات الصُّيع بل وصل الأمر على حد التجمع عند مدارس البنات لممارسة التحرش والمعاكسات ! وقد لفت نظري في الآونة الأخيرة خبر رياضي عن أسباب رحيل مدرب النصر «زوران» وكان أهمها -حسب جريدة مكةالمكرمة بتاريخ 3/5/1438- وجود ضغوط على المدرب من عائلته التي كانت تقيم معه في الرياض لتعرضها لمضايقات من أشخاص مجهولين، مفضلاً العيش في الإمارات!، وشعرت بالأسف والأسى عندما قرأت ذلك الخبر لما يمكن أن يجسده ما تعرضت له عائلة المدرب زوران من مضايقات، من انطباع سيئ عن المجتمع الذي عاشت فيه أسرته وحصل لها فيه ما حصل، ولن تلام إن هي حدثت عما رأته وسمعته وعاشته من صور قبيحة وعبارات نابية وإشارات معاكسة ونظرات وقحة خلال تسوقها في الأسواق أو ارتيادها للمطاعم والحدائق أو سيرها في الأسواق أو ركضها على الأرصفة المخصصة للمشاة، وهذه الصور وإن لم تكن تمثل المجتمع بل تصدر عن فئة ساقطة منه إلا أن من يتعرض لها لا يمكن أن يفرز الصالح من الطالح، بل سوف يكون انطباعه عاماً بأنه عاش ردحاً من الزمن في مجتمع لا يقيم وزناً للأخلاق أو القيم، وهو انطباع مؤلم قد يخرج به كل وافد قدم للعمل وصحب معه أسرته من زوجة وبنات وولدان، فالوافد إنْ لم يتعرض شخصياً لمثل هذه المواقف العصيبة فقد يسمع عنها ممن تعرض لها من أبناء جلدته، بل إن الحديث عن التحرشات والمعاكسات قد وصل صداه إلى أسماع وسائل الأعلام المرئية والمقروءة. أما بالنسبة للمتحرشين والمعاكسين فإن الواحد منهم إذا سافر إلى أي دولة تعاقب على هذا السلوك فإنه يمشي فيها على العجين دون أن يلخبطه على حد قول المثل الشعبي، أما في الداخل فإنه ينطبق عليهم المثل العربي القائل: من أمن العقوبة أساء الأدب، فتعرضت سمعة الوطن للإساءة من أفعال قليلي الأدب وصدق الإمام الشافعي إذ يقول إذا لم تخشَ عاقبة الليالي ولم تستح فاصنع ما تشاء يعيش المرء ما استحيا بخير ويبقى العود ما بقي اللحاء