على إحدى المقاهي الباريسية التي تنتشر على جانبي «الشانزليزيه»، وفي مساء ربيعي، جلست مع أخي وصديقي وأستاذي بدر أحمد كريم رحمه الله، حيث جمعنا السفر ضمن وفد إعلامي مرافق لخادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز رحمه الله، كان وقتها مديرا عاما لوكالة الأنباء السعودية أحدث فيها نقلة نوعية متميزة، وكانت منافسا إعلاميا قويا للصحف والإذاعة والتلفزيون، وكنت وقتها رئيسا لتحرير جريدة البلاد، أخذنا الشوق في حوارنا إلى الوطن والذرية، قال لي بدر إن الله يقسم الذرية بين عباده بين ذكر وأنثى فانظر إلى حالتينا فذريتي أولاد وحتى عندما اقترنت بابنة خالي عبدالحميد الخطيب رزقني الله منها بأحمد، وانظر إلى ذريتك كيف أن الله رزقك بمحمد ثم بعده بالبنات. وتذكر «أبو ياسر» حوارا له مع أحد كبار السن ممن عاصروه في الإذاعة والتلفزيون ومن المعجبين به كثيرا، وللعلم فإن الشهرة كانت تحيط به أينما وجد، فهو المذيع والإعلامي والمثقف وعضو مجلس الشورى والكاتب والذي واصل تعليمه من الابتدائية إلى الدكتوراه، يقول «بدر» إن ذلك الشيخ سأله أمورا عديدة ومنها ذريته فقال له إنهم أولاد فرد عليه مازحا وهو يودعه أنت اسمك «بدر» وإذا رزقك الله بابنة وسميتها «غزوة» فسيكون اسمها غزوة بدر كريم. مرت فترة بسيطة بعد عودتنا إلى الوطن، ولم تكن اتصالاتنا لتنقطع بيننا، فقد كان بيته في الرياض «بيت أم أحمد» هو مقر إقامتي عندما أكون في الرياض حيث كان يصر على استضافتي في ملحق بفيلته يحتوي على صومعته التي كان يقضي فيها أغلب وقته قراءة وكتابة وبحثا وتحليلا، كان يعشق البحث بشكل جعل من رسالته للدكتوراه عملا بحثيا متميزا مكث فيه أكثر من سنتين أو أكثر وهو يحلل محتوى الصحف ليخرج بموضوعها عن «دوافع التعرض للموضوعات الاجتماعية في الصحف السعودية». وفي واحد من اتصالاتنا قال لي إن «أم أحمد» حامل، وذكرني بحوارنا في باريس وقال لعل الله يرزقنا ب «غزوة»، ويريد الله أن تكون هذه هي الحقيقة حيث جاءت غزوة في مثل هذا اليوم قبل 31 عاما تقريبا حيث أحاطها «بدر» بحبه ورعايته وترك البقية «لأم أحمد» وهي مربية فاضلة لها تاريخ كبير في العمل التربوي، «غزوة» أخذت عن أبيها حب العلم والشغف بالبحث وتفوقت في دراستها الجامعية وابتعثتها جامعة الأميرة نورة إلى أمريكا حيث عادت حاملة شهادة الدكتوراه من جامعة إريزونا وحصلت على الإقامة الصيدلانية في طب الباطنة، وهي الآن عميدة مكلفة لكلية الصيدلة بجامعة الأميرة نورة. مات «بدر كريم» لكنه ترك من بعده ذرية حملت اسمه، فالدكتور أيمن بدر كريم واحد من أشهر الأطباء السعوديين في الأمراض الصدرية، و«غزوة» نموذج لبنات الوطن اللائي نفاخر بهن، كما ترك «بدر» إرثا مكتوبا من الكتب والأبحاث عن المجتمع والإذاعة والإعلام. هذه خواطر كتبتها وأنا أتذكر «بدر» عن طريق قصة أراد الله بها أن تتحقق.