تُرى لو كُتب لشوقي العيش حتى يومنا هذا هل كانت ستقفز إلى ذهنه مرةً أخرى صورةُ المعلم الذي كاد أن يكون رسولاً؟ هل كان يعي شوقي أن مهمة الرّسل والأنبياء، إضافةً إلى تبليغ الوحي، تكتنفها المصاعب والمشاق، ولذلك كاد أن يساوي بينهم وبين المعلم؟ هل خطر على بال شوقي أن يصبح بيته الخالد هذا مادةً للتندر بين المعلمين، أسىً على حالهم، للحد الذي دفع الشاعر المعلم إبراهيم طوقان إلى القول: "لو جرّب التعليم شوقي ساعةً لقضى الحياة شقاوة وخمولا"! وكما أنه "لا يعرف الشوقَ إلا من يكابده"، فإن التعليم كذلك له مذاق لا يستسيغه إلا من روّض نفسه على تحمل المشاق، من نذر نفسه لأنْ يقضي جُل يومه في ازدحام الفصول، وتكدس المهمات، وملاحقة التعميمات. وحده المعلم من يطرق باب الصبحِ أولاً، يمضي إلى مدرسته ولمّا تستيقظ الطرقات بعد، يطلّ على طلابه من إذاعة الصباح نشيداً يملأ الآفاق، يربت على كتف طالبٍ يتيم يركض للحاق بالاصطفاف الصباحي بعد أن تركه السائق في ناصية الشارع. يدرك المعلمُ جيداً مدى ما يكنّه له طلابه، أي مستوىً يضعونه فيه، ولذلك يحرص على هندامه كل صباح، يحاول طمس آثار التعب الذي اعتراه جراء الوصول إلى مدرسته النائية، يستعير وجهاً آخر لا تبدو عليه آثار الشوق إلى مدينته التي نشأ وترعرع فيها، لأنه يدرك جيداً معنى أن يكون معلماً، أن يتجاوز وعورة الجغرافيا ليصلَ إلى قمةِ التاريخ، أن يظلّ قصةً ملهمةً في ذاكرة تلاميذه ترددها الأجيال. في 5 أكتوبر، لا ينبغي أن يحتفل المعلمون بيومهم العالمي بمفردهم فقط، وهم الذين يحيون في مدارسهم أيام الآخرين جميعاً، لا بد أن يقف المجتمع كاملاً ليحيي المعلم، وقفةً توفّيه التبجيلَ، وترفع من مستوى ثقته بنفسه التي تزحزحت أخيراً بفعل عوامل عدة.. هي دعوة لأن يحتفل الجميع بهذا اليوم، وأن تترافق الاحتفالات بحلول عملية تنهض بالمعلم مهنياً وعلمياً ووظيفياً.