أقرأ الكتب السياسية الجديدة باللغة الانكليزية بحكم العمل وأقرأ كتب الأدب العربي، خصوصاً الشعر، كفعل محبة، وقد حصلت على أكثر مما أتمنى في الأيام الأخيرة بعد أن تلقيت مجموعة كتب أصدرها المجلس الأعلى للثقافة والفنون في مصر لمناسبة الاحتفال بالذكرى الخامسة والسبعين لرحيل الشاعرين أحمد شوقي وحافظ ابراهيم. المجموعة ضمت الأعمال الكاملة"الشوقيات"تقديم محمد عبدالمطلب، وديوان حافظ ابراهيم تقديم فاروق شوشة. والأعمال الكاملة، مسرحيات أحمد شوقي، تقديم عزالدين اسماعيل، والأعمال النثرية لشوقي تقديم أحمد درويش والأعمال النثرية لحافظ ابراهيم أيضاً من تقديم أحمد درويش. كله جميل ومهم وأرجو أن يجد قراء يفهمون ويقدرون، الا أن أجمل هدية كانت الكتاب"شوقي وحافظ في مرآة النقد"في ثلاثة أجزاء من إعداد محمد عبدالمطلب، فالدواوين موجودة، والأعمال المسرحية والنثرية سبق جمعها، إلا أن مادة"مرآة النقد"لم تتوافر مجتمعة من قبل بهذه الشمولية الموسوعية. عندي"الشوقيات"في طبعة قديمة في جزءين، كنت أشكو منها حتى تلقيت"الشوقيات"من إعداد الدكتور علي عبدالمنعم عبدالحميد الذي طبعته الشركة المصرية العالمية للنشر - لونجمان سنة 2000، فقد كانت من مستوى عالٍ جداً، إعداداً وشرحاً. ولا بد من أن النسخة الجديدة من الشوقيات تماثلها مستوى، ما سيعطيني فرصة لمقارنة الطبعتين في المستقبل. كذلك عندي"ديوان حافظ ابراهيم"في طبعة جديدة لدار العودة في بيروت، إلا انها نقل عن النسخة الأصلية للديوان التي صدرت في مصر سنة 1937 بتحقيق أحمد أمين وأحمد الزين وابراهيم الابياري. أين نحن من هؤلاء؟ أو أين نحن من الكبار الذين كتبوا عن شوقي وحافظ ابراهيم، ففي"مرآة النقد"يجد القارئ مقالات تحمل أسماء من نوع مصطفى صادق الرافعي وطه حسين وعباس محمود العقاد وزكي مبارك وابراهيم المازني وأحمد أمين وكامل الشناوي. لا أعرف قراءة توفر متعة أكبر لطالب أدب عربي مثلي. وقد توقفت عند الصفحة 277 من الجزء الثالث، ومقال للاستاذ يوسف بكار بعنوان"اثر شوقي وحافظ في ابراهيم طوقان"، فقد كنت قبل أيام عدت الى ديوان شاعر فلسطين ابراهيم طوقان بعد أن طلب مني قراء أبياته عن زعماء فلسطين في أيامه، فلم اعتمد على الذاكرة خشية الخطأ. عندي ديوان ابراهيم طوقان مع مقدمات عن حياته وشعره كتبها أخوه أحمد وأخته فدوى، والدكتور زكي المحاسني. والديوان هذا من اصدار دار العودة في بيروت، ولا يفي الشاعر حقه، فأنا أعرف له من الشعر وأحفظ غير المسجل، بل أن الدكتور المحاسني يشير الى قصيدة لا يضمها الديوان. كان طوقان عارض قصيدة مشهورة لأحمد شوقي عن المعلم قال في مطلعها: قم للمعلم وفّه التبجيلا/ كاد المعلم أن يكون رسولا، ورد عليه بقصيدة خفيفة الدم جداً، فطوقان كان معلماً، وذاق من التعليم الأمرين، وهو يقول بادئاً: شوقي يقول وما درى بمصيبتي/ قم للمعلم وفه التبجيلا. ويكمل: لو جرّب التعليم شوقي ساعة/ لقضى الحياة شقاوة وخمولا. ويختتم: يا من يريد الانتحار وجدته/ أن المعلم لا يعيش طويلا. ابراهيم طوقان لم يعش طويلاً، فقد كان معتل الصحة، ولعل التعليم لم يساعده، والمجال هنا يضيق عن تسجيل أبياته عن جهده معلماً فهو يتحدث عن تصحيح غلطة نحوية وقد اتخذ"الكتاب"دليلا، والحديث مفصلاً تفصيلا، والشعر ليس ملتبساً ولا مبذولا، وبعث سيبويه من البلى وأهل القرون الاولى، فماذا يحدث بعد ذلك؟ ابراهيم طوقان يقول: فأرى حماراً بعد ذلك كله/ رفع المضاف اليه والمفعولا. أعود الى شوقي وحافظ، أو شاعر القصر وشاعر الشعب، فشوقي"شاعر العزيز وما/ بالقليل ذا اللقب"، أما حافظ ابراهيم فقد عانى مع الشعب لأنه كان منه. ولا أملك الجرأة الكافية للحديث عن الشاعرين، وما عندي من كتب يضم آراء أمراء الشعر والنثر، ولكن أختار ذلك البيت الذائع من قصيدة ألقاها حافظ عند مبايعة أحمد شوقي بإمارة الشعر: أمير القوافي قد أتيت مبايعاً/ وهذي وفود الشرق قد بايعت معي. وقد قرأت أن شوقي قام وقبّل حافظ بعد سماع هذا البيت، ربما لأن ضميره وخزه، فهو لم ينطق ببيت شعر واحد في حفلة رعاها بنفسه عندما منح حافظ البكوية. غير أن شوقي عبّر عن عاطفة صادقة بعد أن سبقه حافظ الى الموت بأشهر معدودات، فرثاه قائلاً: قد كنت أوثر أن تقول رثائي/ يا منصف الموتى من الأحياء. ويكمل: لكن سبقت وكل طول سلامة/ قدر وكل منية بقضاء. أكتفي من شوقي وحافظ بهذا القدر وأكمل بكتاب مرجع في موضوعه هو"التجديد والتأصيل في عمارة المجتمعات الاسلامية"من تأليف الدكتور اسماعيل سراج الدين، مدير مكتبة الاسكندرية، وموضوعه الأصلي"جائزة الآغا خان للعمارة"، فقد صدر للمرة الأولى قبل 25 عاماً، وعاد الآن بنسخة ممتازة ملونة مصورة بعد فوز مكتبة الاسكندرية بالجائزة. وقد قسّم الدكتور اسماعيل الكتاب الى ثلاثة أقسام: الأول عن تاريخ جائزة الآغان خان، والثاني شرح لمعايير الجائزة كما وضعتها لجنة التحكيم، والثالث الملاحق والهوامش. وأعترف بأن هناك روائع معمارية عربية قديمة وحديثه لم أكن أعرف بوجودها، وأشكر الصديق اسماعيل سراج الدين على جمعها وتقديمها، ما يشجع على السفر لرؤيتها. للحديث هذا بقية.