ما زالت ذاكرة التعليم تحدثنا عن إدارة المدرسة وكيف كان المدير يقرر بما أعطي من الصلاحيات، وبما وصل إليه اجتهاده وأنظمة العمل في مدرسته ما يراه مناسباً لطلابه وإدارة المدرسة، كما لا زالت الذاكرة التعليمية تحدثنا عن المعلم وهيبته التي تسبق دخوله الفصل، وكيف كان الطلاب يتحاشون رؤيته حتى في أزقة الحي، لاسيما وهو الصديق الوفي للعصا وعود الخيزران الذي أعطي من خلاله المدرس حق عقاب الطالب على أي تقصير يلحظه بتزكية من إدارة المدرسة، ومباركة ولي أمر الطالب الذي إن سمحت له ظروفه بزيارة مدرسة ولده فسوف يردد عليهم مقولةً عفى عليها الزمان وسئمت من سماعها الآذان مفادها أن "الجلد لكم والعظم لنا"، وكأن طلاب ذلك الزمان قاموا ليستحضروا أبيات شوقي في معلمهم حين قال: قم للمعلم وفه التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولا وتجمع الروايات في كافة المجتمعات أن هيبة المعلم عاشت بين عصري الإفراط والتفريط والشدة واللين، فحين كان المعلم مهاب الجناب كان ثمة ضعف في حسن التعامل مع الطالب؛ في حين يستجدي الآن المعلم في بعض المجتمعات شيئاً من هيبته رغم أن البعض يرى أن مكانة المعلم في نفوس طلابه ولدى مجتمعه مرت بمراحل فتور وضعف؛ بسبب عدم تقدير الطالب "المهمل" لمقام أستاذه، ولا أدل على ذلك إلاّ ما رد به الشاعر "إبراهيم طوقان" على قصيدة أمير الشعراء أحمد شوقي حين قال: شوقي يقول وما درى بمصيبتي قم للمعلم وفّه التبجيلا اقعد فديتك هل يكون مبجلاً من كان للنشء الصغار خليلا ويكاد يغلقني الأّمير بقوله كاد المعلم أن يكون رسولا لو جرّب التعليم شوقي ساعة لقضى الحياة شقاوة وخمولا حسب المعلم غمَّة وكآبة مرآى الدفاتر بكرة وأصيلا مئة على مئة إذا هي صلِّحت وجد العمى نحو العيون سبيلا ولو أنّ في التصليح نفعاً يرتجى لأخيك لم أكُ بالعيون بخيلا لكنْ أصلّح غلطةً نحويةً مثلاً واتخذ الكتاب دليلا مستشهداً بالغرّ من آياته أو بالحديث مفصلاً تفصيلا وأغوص في الشعر القديم فأنتقي ما ليس ملتبساً ولا مبذولا وأكاد أبعث سيبويه من البلى وذويه من أهل القرون الأُولى فأرى حماراً بعد ذلك كلّه رفَعَ المضاف إليه والمفعولا لا تعجبوا إن صحتُ يوماً صيحة ووقعت ما بين البنوك قتيلا يا من يريد الانتحار وجدته إنَّ المعلم لا يعيش طويلا والغريب العجيب أنه رغم ما ينال المعلم من التعب والنصب في متابعة طلابه وتلاميذه، إلاّ أنه دائم الحنين لزمن العلم والتعليم، كما أن طلابه يستشعرون مقامه بعد تخرجهم فيقيموه مقامه ويبجلونه كأنما يستميحونه "شقاوة" طفولتهم وعبث مراهقتهم حين كانوا طلابا، ولا أدل على حال المعلم مع طلابه ومديره وموجه الوزارة إلاّ ما قاله الشاعر مصطفى عيد الصياصنة في قصيدته "وفقة معلم" حين قال: فدفاتر التحضيري أمست مطلباً لابد من تزويقها تحبيرا والواجبات غدت قرينة عمره وغدا الخلاف بشأنها مشهورا صحح, وراجع , ثم دقق هذه إن لم تدقق تكتسب تحذيرا ها قد غرقنا في بحار دفاتر مثل الجويحظ أوردته حفيرا