خادم الحرمين وولي العهد يعزيان أمير الكويت    ولي العهد السعودي الأكثر تأثيرا للمرة الرابعة    الأمير والبطل    سحب تراخيص 31 مكتب استقدام وإيقاف 13 مكتبا    نائب وزير الخارجية يستقبل سفير المملكة المتحدة لدى المملكة    حفل جوائز صنّاع الترفيه JOY AWARDS يحتفي بإنجازات عام 2024    الحب لا يشيخ    رمزية الأعداد الفردية والتوحيد    أمانة عسير تُصادر 1680 كجم من الأغذية والملابس    بلدية محافظة الأسياح تشارك في مهرجان خصيبة الاجتماعي بنسخته الرابعة    حظر تطبيق "تيك توك" في الولايات المتحدة.. والشركة تنتظر ترمب    صندوق النقد يتوقع نمو الاقتصاد السعودي ب 3.3 % في عام 2025م    خاص.. حقيقة اهتمام الهلال بالتعاقد مع كايو سيزار    قطاع ومستشفى البرك يُفعّل حملة "شتاء صحي"    أمير الرياض يستقبل سفير سلطنة عمان لدى المملكة    مفوض "الأونروا" يشيد بجهود المملكة في حل الدولتين وإنهاء الصراع في غزة    المملكة في "دافوس".. مسيرة ريادة وشراكات دولية نحو مستقبل مستدام    النائب العام يتفقد سير العمل في نيابة منطقة جازان ويلتقي بالمراجعين    بعد تأخير 3 ساعات.. الهدنة تعانق غزة    أمير الشرقية يهنئ الفائزين في معرض سيول الدولي للاختراعات 2024    45 وزيرًا ونخبة من الخبراء يمثلون أكثر من 100 دولة يناقشون "مستقبل العمل"    في 56 موقعاً.. الأحوال المدنية تنقل خدماتها للمستفيدين عبر وحداتها المتنقلة    أمير الشرقية يرعى اللقاء السنوي السادس عشر للجهات الأهلية    مستقبل فينيسيوس بين يديه    عبد العزيز القحطاني ضمن قائمة "Construction Week" لأبرز القادة السعوديين المؤثرين في قطاع الإنشاءات بالمملكة    «هيئة الإحصاء»: ارتفاع 3.6% للرقم القياسي لأسعار العقارات في الربع الرابع من 2024    المياه الوطنية: أنجزنا 118 مشروعًا بأكثر من 5.5 مليارات ريال عام 2024    انخفاض لدرجات الحرارة وفرصة هطول أمطار لعدة مناطق    القوات الخاصة للأمن البيئي تضبط مخالفين لنظام البيئة    5 محدّدات لرُخص الآبار الجديدة في الدرع العربي    «إعجابات الأصدقاء».. إنستقرام تعيد خاصية قديمة    شيخ قبائل المنابهة في عنزة السورية ل«عكاظ»: حمص تجاوزت الفتنة.. ولا عودة ل«حزب الله»    «عين السيح».. تأسر عشاق التراث    المملكة.. بوصلة العالم    «الراجحي» حقق حلم السنوات ال10    التايكوندو يحتفي بالدوليين    الاكتئاب المبتسم.. القاتل الصامت    تاريخ حي الطريف    أكدت على الحقوق الفلسطينية وأشادت بجهود الوسطاء.. المملكة ترحب باتفاق وقف النار في قطاع غزة    سيتي يضم مرموش ويجدد لهالاند ويفقد ووكر    السديس: لحظة تاريخية استثنائية.. إطلاق أكبر هيكلة تنظيمية برئاسة الشؤون الدينية في الحرمين    الألمعي تعبر عن شخصية جازان    علاقة الاقتصاد بارتفاع الطلاق    تفوق الجراحة الروبوتية في عمليات الكبد    خطر منتجات النظافة الشخصية على الصحة    ميزات زر قفل iPhone    أحزمة مذنبات بأشكال متنوعة    رون ولي وماتياس    المملكة توزّع مواد إغاثية متنوعة في سوريا    سالم الدوسري يحقق جائزة أفضل رياضي لعام 2024 ضمن جوائز «جوي أوورد»    كل أمر حادث هو حالة جديدة    الأمير فيصل بن سلمان يكرم عائلة أمين الريحاني بسيف صنع في السعودية    تأثيرات صحية لاستخدام الباراسيتامول بانتظام    الجامعة في القصر    الشيخ السديس: حصّنوا أنفسكم وأولادكم بالأوْرَاد الشَّرْعِية    رصد طائر البوم «الفرعوني» في شرق عرعر    الرئاسة العامة تشارك بورشة عمل بعنوان (رقمنة التوعية في أداء المناسك)    «الخارجية»: نرحب باتفاق وقف إطلاق النار في غزة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الباحث ال «سوبرمان»
نشر في عكاظ يوم 07 - 10 - 2018

عندما هممت بإعداد مقالي السابق حول واقع البحث العلمي في الجامعات السعودية وتحليل أسباب ما نرصده من محدودية في المردود العلمي والاقتصادي من نتائج البحوث العلمية الوطنية على مدى العقد الأخير، كنت حينها أقوم بالاطلاع على محتوى البحوث الوطنية المنشورة في فهرس ISI العالمي للدوريات العلمية، ولفت انتباهي «مصادفة» ملاحظة وجود كمّ هائل من الأبحاث المنشورة باسم أحد الباحثين السعوديين من منسوبي إحدى كبرى الجامعات الوطنية، بشكل مثير للدهشة، وهو ما دفعني للقيام بإحصاء إنتاجه العلمي الغزير، فوجدت أن النتائج تقود إلى قضية مثيرة وحقائق شائكة تدور في فلك إشكاليات البحث العلمي.
بداية، أستعرض لكم ما حصرته عن الإنتاج العلمي والأكاديمي لهذا الباحث، إذ لديه نحو 1200 ورقة علمية منشورة في الدوريات العلمية خلال 20 عاماً، غالبيتها نشرت خلال السنوات السبع الأخيرة، ولديه 29 كتاباً في مجال تخصصه أنتجها خلال 14 عاماً، ولديه 14 براءة اختراع، وشارك بأوراق بحثية في 42 مؤتمراً علمياً في الفترة ما بين 2004 إلى 2015، كما أشرف أكاديمياً منذ 2001 على 36 طالب دراسات عليا، واختبر نتائج أبحاث 22 آخرين من طلبة الدراسات العليا، وحصل على العديد من الجوائز المحلية، وأصبح عضواً في أحد مراكز التميز البحثي.
إنجازاته تبدو متميزة، لكن الغزارة الهائلة في النشر العلمي لهذا الباحث تفوق الممكن، واستدعتني للتوقف أمامها، فإذا كانت أيام العمل الفعلية خلال العام الواحد بعد خصم إجمالي عطلات نهاية الأسبوع والإجازة السنوية وأعياد الفطر والأضحى والإجازات الاضطرارية تعادل 190 يوما، سنجد أن هذا الباحث استطاع ضرب أرقام فلكية، ففي العام 2014 استطاع نشر 194 ورقة بحثية، أي بمعدل بحث علمي يومياً، كما أن متوسط معدل النشر العلمي المسجل ما بين 2011 إلى 2018 بلغ أكثر من 120 بحثاً في السنة، هذا بالإضافة إلى الإنتاج الغزير للكتب العلمية بمعدل كتابين سنوياً، وفاق عدد أبحاثه المنشورة من حيث «الكم»، ما نشره العالم الأمريكي روبرت لانغر الملقب ب«توماس أديسون هذا العصر»، مع فارق كبير في المقارنة لأن لانغر من العلماء العشرة الأوائل من حيث أعلى معدل استشهاد مرجعي في تاريخ البحث العلمي بنحو 250 ألف استشهاد، وهنا تكون المقارنة جائرة، لأن «الكم» لا قيمة له مقابل حجم الاستشهاد العلمي بالعمل البحثي، والباحث المذكور نسبة الاستشهاد بأبحاثه محدود بأقل من 30 ألف استشهاد.
ويجمع الباحثون في العديد من المراجع ودوائر نقاشات النشر العلمي، مثل بوابة البحث العلمي «Research Gate»، بأن متوسط معدل النشر العلمي المنطقي للباحث المفترض أن يكون ما بين ورقة إلى 4 أوراق بحثية سنويا، وإن زاد عن ذلك فالنتائج على الأرجح ستنعكس سلباً على جودة البحث ومخرجاته، كما أن المعدل الهائل في عدد الأوراق المنشورة التي بلغها الباحث المقصود في هذا المقال، هو ما يعرف في أوساط البحث العلمي بمصطلح «Disjunctiviti» ويقصد به «النشر العلمي المفرط»، وقد ناقش البروفيسور جون أنتوناكيس أستاذ علم النفس والسلوك المؤسساتي بجامعة لوزان السويسرية هذا المصطلح في مقال نشر العام الماضي على موقع مؤسسة «Elsevier» الرائدة في النشر العلمي، ووصفه بأنه من الأمراض القاتلة التي تصيب البحث العلمي باعتبار أن الزيادة الكبيرة في المنشورات القصيرة والسريعة تؤثر على الجودة وتؤدي إلى نتائج غير متكاملة وغير نموذجية، وتنتج عنها بحوث غير مفيدة وتثير الشكوك حول دقة نتائجها وصحتها وغياب الحقائق العلمية عنها.
وهذا لا يعني تماماً بأن تميز الأبحاث وجودتها يفرض على الباحث الحد من النشر العلمي للحفاظ على جودة المخرجات، فيوجد باحثون متميزون وعلماء لديهم إنتاج غزير بجودة عالية، ولكن الفرق شاسع إذا قارنا إنتاجهم النوعي مع الباحث المذكور، فالباحث المتميز قد يكون معدل النشر لديه مرتفعا نتيجة لأسباب عديدة، من بينها حجم الخلفية المعرفية التراكمية وجذب نتائج أبحاثه ذات الاستشهاد المرتفع لعدد كبير من الباحثين الذين يتقدمون لهؤلاء الباحثين بطلبات المشاركة والتعاون البحثي. ولكن في حالة الباحث المذكور الأمر يبدو مختلفا، إذ لديه ورقة بحثية واحدة فقط حظيت بنحو ألف استشهاد، واشترك في إعدادها مع عدد من الباحثين الآسيويين المتمكنين، وكذلك عدة أوراق أخرى مشتركة حظيت ببضع مئات من الاستشهادات، أما الغالبية العظمى من أبحاثه المنشورة فحظيت باستشهادات قليلة جدا، بل وغالباً ما يكون هو من استشهد على نفسه في ورقة بحثية لاحقة، وهذا عدا النشر الكثيف في فئات Q4 ذات الحد الأدنى من الجودة العلمية.
والدوافع من هذا النشر العلمي المكثف تنحصر على الأرجح في الحصول على الترقية الأكاديمية، والفائدة المادية من قيمة المكافآت الشهرية عن كل بحث وفقاً للمادة 12 من لائحة البحث العلمي، والاستفادة من قيمة التمويل السنوي للأبحاث التي تصل في بعض الجامعات إلى 150 ألف ريال عن كل 5 أوراق بحثية، أما الجامعات التي تقبل بهذا فالهدف لديها أن ينشر هؤلاء الباحثون في دوريات ذات معامل تأثير جيدة ليتقدم اسمها في قوائم التصنيف العالمية دون الاهتمام بالنتائج العلمية أو المردود الاقتصادي.
أما كيف استطاع الباحث المذكور أن ينشر ذلك الكم الهائل من الأبحاث، فالواضح من خلال استقصاء الحالة أن لديه شبكة علاقات مع باحثين متمكنين من أواسط وشرق آسيا أشبه ب«تجار الشنطة» في مجال الأبحاث، وهم منتشرون حول العالم وهي ظاهرة معروفة في الأوساط العلمية، ومنهم من يستهدفون الباحثين السعوديين ليشركوهم معهم في أوراقهم العلمية إما بالاسم فقط أو بمشاركة محدودة مقابل المساهمة بجزء من التمويل المالي الذي يحصل عليه الباحث السعودي من جامعته، فالكم الهائل من المنشورات العلمية التي تنسب لمثل هذا الباحث سنويا لا يعطيه منطقيا الوقت الكافي للمشاركة الفعلية فيها جميعا إلا إذا كانت لديه قدرات خارقة وإعجازية، ولذلك كنت بصدد طلب إفادة من الجامعة المعنية حول ما رصدته من ملاحظات عن الباحث المذكور إلا أنني وجدت أن مدير جامعته شخصيا يشترك معه في نشر عدة أوراق بحثية.
من المؤسف أن هذه ليست حالة فريدة بل يوجد مثله الكثيرون في عدد من جامعاتنا، وهو ما بات يستوجب تشكيل لجان أكاديمية مستقلة على مستوى «وزاري» لفحص مخرجات البحث العلمي ومواجهة ما نرى بأنه «فساد أكاديمي» تسبب في محدودية المردود العلمي وهدر الملايين من التمويل الحكومي للجامعات، والأخطر من ذلك هو وجود سقوط مريع في الالتزام الأخلاقي تجاه العمل العلمي والمعرفي.
* كاتب سعودي
[email protected]
khalid_tashkndi@


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.