نجح الشاعران عبدالله الصيخان وعبدالمحسن يوسف في استنهاض كل ما تختزنه قصيدة التفعيلة من طاقات إيقاعية، وصور استعارية، ليتعالق الإبداعي بالتنويري في إذكاء ذائقة تتوق لأنسنة المفردات، وتفعيل جماليات النصوص، لتلامس راهن المتلقي من الجنسين في مسرح ديار العز في غابة رغدان، ليقضي أكثر من 100 رجل وسيدة مساء أمس الأول (الإثنين) ساعة كاملة في إصغاء تام وتفاعل واعٍ مع قصائد الحنين والشجن باستعادة الشاعرين سيرة الراحلين من الآباء والأمهات. وعزز الشاعران في الأمسية، التي نظمتها هيئة الثقافة بالشراكة مع أدبي الباحة، ثقة عشاق ديوان العرب في التجربة الحداثية المتماسكة وزناً وقافية وذات الأبعاد الدلالية عبر مجاز غير مبهم ومضامين غير مؤدلجة ولا مثقلة بحمولات تأتي خارج سياق الشعر، فانتصرا للحس الإنساني بالغناء للزمان والمكان والوطن والجمال. بدأ الصيخان بنص هواجس في طقس الوطن ومنه (قد جئت معتذراً ما في فمي خبرُ، رجلاي أتعبها الترحالُ والسفر، ملّت يداي تباريح الأسى ووعت، عيناي قاتلها ما خانني بصرُ). أتبعه بنص قهوة مرة (قهوة مرّة وصهيل جياد مسوقة، والمحاميس في ظاهرالخيمة العربية، راكة في الرمال وفي البال، كيف المطاريش إن ذهبوا للرواح مطيّ السفر، وكيف هي الأرض قبل المطر؟ وكيف الليالي، أموحشة في الشعيب إذا ما تيمَّم عود)؟ فيما طلب الجمهور إعادة إلقاء قصيدة فاطمة مرتين، ومنه (تمتمات المعزّين في آخر البيت أهدأ من كل شيء، ومن أي شيء تذكره ولدٌ شاف ضحكتَها - نفْس ضحكِتْها في صباح مطير). فيما ألقى الشاعر عبدالمحسن يوسف نص رسالة إلى القمر ومنه (سلاماً أيه القمر، قرى قلبي محصنة، فكيف دلفت يا قمر، وكيف عبرتَ أبواباً عليها يسهر السهر) ونص (ما الذي خلف الستارة) والحمامة (تلك التي اصطفيتها يحار في مديحها الكلام، حمامة النساء فاق حسنها الكلام) وقصيدة البارحة (مات الضياء على سرير قصيدتي مات الضياء البارحة، ورأيتُ أمي (صالحة) تنعيه في شجن وتذرف دمعها وتنوح مثل النائحة، ورأيت نخلاً ينحني يتلو عليها الفاتحة). ونجح الشاعر أحمد قران في إدارة الأمسية بحس شاعري ووعي نقدي، بينما صاحب الشاعرين في الإلقاء الفنان متعب سعيد بتقاسيم وأغانٍ من الشعر الفصيح. فيما وقع الباحث الدكتور أحمد قشاش كتابه (أبحاث في التاريخ الجغرافي للقرآن والتوراة ولهجات أهل السراة) الصادر عن أدبي الباحة، وأكد أن معظم مفردات أهالي السراة موثقة في التوراة، مؤملاً أن يكون الكتاب إضافة في مشروع اتصال الحضارات وحوار أتباع الأديان السماوية بحكم التأثير والتأثر ولعدم انقطاع الإنسان من ديانة منذ 3 آلاف عام. كما وقع الشاعران إبراهيم طالع ومحمد أبو شرارة مجموعتيهما الشعريتين.