ذكرت الأخبار الواردة أمس من طهران أن سعر التومان الإيراني وصل إلى ما يزيد على المئة وعشرين ألفا مقابل الدولار الأمريكي، وربما سيصل إلى نصف مليون أو أكثر مع بدء سريان العقوبات الأحادية الأمريكية على إيران مطلع نوفمبر القادم. من الطبيعي أن أي شخص يتمتع بأي قدر من الضمير لا يتمنى أن يكتوي أي شعب أو أي إنسان بنيران تلك العقوبات، فكيف إذا كان ينتمي لبلد مثل العراق قد سبق أن عانى من لظى جمر هذه العقوبات والحصارات الدولية التي سببها ضعف الحسابات السياسية للحكومات أو ارتكازها إلى فكرة قوة النظام العسكرية والعنفية، فببساطة أنت تقف أمام غول اسمه الاقتصاد كما قال عنه البروفيسور تيري رامسي أستاذ الاقتصاد بجامعة بنسلفانيا؛ هذا الغول لا يفهم مفردات السياسة ويجب أن تتعاطى معه بلغة الأرقام؟ أتذكر أن الدينار العراقي في الثمانينات كان يساوي ثلاثة دولارات ونصف وفي مطلع التسعينات صار كل دولار أمريكي يساوي ثلاثة آلاف دينار، وقد شاهدت بعيني كيف أن التجار في سوق الشورجة العراقي الذي يماثل تقريبا بازار طهران، كيف أن هؤلاء لا يقومون باستخدام مكائن عد النقود لثقل حجومها وأنما كانوا يستخدمون ميزاناً مخصصاً لوزن جوالات الطحين والرز لمعرفة كميتها بالمقاربة. هذا مع ثلاثة آلاف، فكيف حال إيران وأسواقها وشعبها المغلوب على أمره مع عملة سعر صرفها أصبح بمئات الآلاف؟ إيران النظام وإيران الشارع بينهما بون واسع، فالشعارات لا تنفع والصراخ والتهديدات لن تجلب فائدة للشعب الذي سيكون عليه أن يسلك واحداً من طريقين إما الموت البطيء أو التمرد على الحاكمين الذين لا تعرف بأي أسلوب يفكرون وهم أدرى بمسالك دروبهم الوعرة وربما لا تنفعهم الرسائل التي نقلها الوزير العُماني ابن علوي إلى دهاليز الإدارة الأمريكية والتي لا أحد يعرف فحواها، لكن المراقب يستشف مضمونها من تغير لهجة الرئيس الأمريكي ترمب خلال أسبوع من تهديد ووعيد إلى دعوة روحاني للحوار واللقاء من دون شروط مسبقة، وهي يبدو نصيحة عُمانية لأمريكا أن الجماعة يبلغونكم السلام ومستعدين للتفاهم فقط ألقوا لهم سلم النزول من الشجرة العالية بكرامة، وهذا ما تفسره حدة تصريحات قائد الحرس الثوري من أنهم سيمنعون بالقوة الرئيس روحاني من الذهاب للتفاوض مع الأمريكان أن تطلب ذلك. فأنت هنا لست في فنلندا أو الدانمارك، أنت في إيران النظام المحكوم والمهيمن عليه من طرف المرشد الأعلى خامئني ويسيطر بإرادة مركزية؛ ففي إيران دائماً إذا ما أردت التدقيق في التصريحات فتش عن المرشد، فهو الذي يمسك بكل خيوط اللعبة هناك. الأمريكان بتقديري وتقدير كثير من المحللين لا يريدون حرباً مع إيران، وهذا مسلم به، إنما يريدون تغيير سلوك النظام بتجريده من السلاح النووي ووقف تدخلاته وتخريبه للمنطقة، وأن يتعايش نظام طهران بسلام مع محيطه، لكن من غير المفهوم وبصراحة ماذا تريد سلطنة عُمان التي تهب كلما هبت رياح الغرب على إيران لنجدتها من مآزقها العديدة، وهي الشقيق الذي نجله ونحترمه، ولها مكانة عظيمة في قلوب العرب بتاريخها وحكمتها وعقلانيتها، فهل تريد إيران نووية أم إيران التي تسيطر وتدمر اليمن العربي عن طريق وكيلها الحوثي أم إنهاك العراق البلد العربي ذي الإسهام الحضاري الذي يصرخ ويئن شعبه كل يوم في تظاهرات تجوب مدنه وقراه ضد سياسات إيران وهيمنتها.. أم أن السلطنة لا ترى بعين الإشفاق قطراً عربياً صغير المساحة مثل لبنان وكيف ألقى القبض على قراره وكيل إيران العلني في المنطقة حسن نصرالله وحزب الله؟ الجميع يتمنى لإيران البلد ذي الحضارة والتاريخ العريق أن يعيش بسلام وأمان، وأن ينتفع شعبها بموارد بلادها، لكن لا أحد يريد إيران المدرعة بترسانة نووية عسكرية وآلاف الصواريخ بعيدة المدى، فلمن كل هذا؟ إيران دولة محظوظة، فليس هناك من يشكل خطراً عليها أو يهددها بحرب إذا ما اختارت العيش بسلام، ودعوة ترمب لها للحوار لا تعني تغيير الهدف من السياسة الأمريكية، إنما فقط اختبار أسلوب جديد لعله يجدي، وبتقديري أن الوزير العُماني أبلغ ترمب برغبة الملالي، والموضوع فقط يحتاج إلى بعض الوقت وقليل من الضجيج. * كاتب عراقي