لم تُسفر زيارة السلطان (قابوس بن سعيد) سلطان عمان إلى طهران عما كان يُنظر إليه على أنه وساطة عمانية لكسر الجليد الذي تراكم فوق العلاقات الأمريكيةالإيرانية! وهي أول زيارة لرئيس دولة لإيران منذ تولي الرئيس الإيراني (المعتدل) (حسين روحاني) مهام الرئاسة في إيران منذ الثالي من أغسطس 2013. وجاءت تصريحات الجانبين (العماني والإيراني) مغلفة بالأمل والتمني. ففي حين قال السلطان (قابوس بن سعيد): «إن الخروج من الظروف الراهنة بحاجة إلى الأخذ في الاعتبار مصلحة شعوب المنطقة وتعاون دولها فيما بينها».. ووصف العلاقات بين بلاده وإيران بأنها طيبة، داعياً إلى «رفع مستوى التعاون التجاري والاقتصادي بين طهران ومسقط»؛ وصرّح الرئيس الإيراني (حسين روحاني) بأن تعاون طهران ومسقط مهم ومؤثر لإعادة السلام والاستقرار في المنطقة، مشدداً على أن إيران تبذل جهوداً لإشراك دول المنطقة الأخرى في هذا المسعى. في حين أوضح مرشد الثورة في إيران (علي خامنئي) خلال استقباله سلطان عمان أن السبب الرئيس للوضع الراهن في المنطقة هو التدخل الأجنبي، مشيراً إلى أن إحدى القضايا الخطيرة التي تواجهها المنطقة هي «إقحام القضايا الدينية والطائفية والمذهبية في الخلافات السياسية»!؟ ورغم ملاحظاتنا المتعددة حول هذا التصريح الأخير ل(خامنئي)، إلّا أنه -اختصاراً- لابد من الإشارة إلى أن إيران هي التي دأبت على إقحام القضايا الدينية والطائفية والمذهبية في علاقاتها مع جيرانها! ولا أدلَّ على ذلك من مناصرتها فصيلاً عراقياً على آخر، وتدَخلها لمساندة النظام (العلوي) في سوريا، ودعمها الحوثيين في اليمن، وكذلك إثارتها النعرات المذهبية في مملكة البحرين. أعادت هذه الزيارة إلى الأذهان جهود الوساطة العمانية بين إيرانوالولاياتالمتحدة منذ قطع علاقاتهما الثنائية عام 1980. وتوالى تصاعد برودة العلاقات منذ ذلك الوقت على خلفية مناجزة إيرانالولاياتالمتحدة لمساندتها إسرائيل ولوجود أساطيلها في منطقة الخليج، ثم جاءت قضية الملف النووي الإيراني لتزيد من تلك البرودة. وكانت سلطنة عمان قد قامت بجهود وساطة عام 2011 لإطلاق سراح ثلاثة أمريكيين احتجزتهم إيران، وكذلك إطلاق سراح عالم إيراني احتُجز في أمريكا بتهمة انتهاك العقوبات الأمريكية. ولم تشأ إيران أن تُظهر أي مسعى «وساطي عماني» خلال هذه الزيارة، حيث اكتفى وزير الخارجية الإيراني (محمد جواد ظريف) بالقول: «ليس لدينا علم بأن سلطان عمان سيحمل رسالة خاصة إلى بلادنا، وأن جدول أعمال الزيارة يتضمن بحث العلاقات الثنائية، وبعض القضايا الإقليمية». ولا يُخطئ المراقب اتجاه اللغة الديبلوماسية في هذا التصريح. وكان الإيرانيون قد تفاءَلوا بفوز (حسين روحاني) في الانتخابات الرئاسية ودوره المستقبلي في تحسين (طهران) علاقاتها مع جوارها العربي والتصالح مع المجتمع الدولي، بعد إطلاق الرئيس الجديد إشاراتٍ لتطلع إيران إلى إعادة العلاقات مع المملكة العربية السعودية، مشيراً إلى أنه «ينبغى عدم تهميش من يختلف معنا في الأفكار والروئ»! ويُشبّهُ الإصلاحيون في إيران الرئيسَ الجديد بالرئيس (علي أكبر هاشمي رفسنجاني) الذي حكم ما بين 1989-1997، والذي ركَّز رؤيتهُ على مواصلة إيران برنامجها النووي، مع تخفيف حدة التوتر مع الغرب. وشكّل فوز (روحاني) بحصوله على 68 .50% من أصوات الناخبين انعكاساً لرغبة الإيرانيين في التخلص من الأصوليين الذين أضرّوا كثيراً بالأوضاع الاقتصادية، وتردي الحالة المعيشية لملايين الإيرانيين خلال حكم الرئيس المُتصلب (أحمدي نجاد). وفي أول تصريح للرئيس الجديد، وصفَ فوزه في الانتخابات بأنه «انتصار الاعتدال على التطرف»، وقد أشاد كثيرون بهذا التصريح غير المعهود في تاريخ السياسة الإيرانية. وتعاني إيران عزلة دولية منذ سنوات على خلفية نزاعها مع وكالة الطاقة الذرية حول ملفها النووي، وكذلك تردي علاقاتها مع بعض جيرانها، ما أدى إلى وضعها في لائحة (مثلث الشر) الأمريكي. كما جاء موقفها من (حزب الله) في جنوب لبنان، سنوات طويلة، وموقفها الداعم –مادياً ومعنوياً وعسكرياً- للنظام السوري وحربه ضد شعبه، ليزيد من عزلتها الدولية. ومن التاريخ الإيراني الحديث -بعد ثورة الخميني- يمكن بسهولة استنتاج صعوبة تمرير أفكار أي رئيس إيراني ما دامت الأمور الرئيسة (الشؤون الخارجية والدفاع) في يد مُرشد الثورة!؟ بل إن الرئيس لا يملك البت في علاقات إيران الخارجية دون موافقة المُرشد. كما أن إيران لم تكف عن «مناكفة» جيرانها السنّة، ومحاولتها «تصدير» ثورتها إلى خارج حدودها، بل والتدخل في الشؤون الداخلية لجيرانها، مثلما حدث في العراق ولبنان ومملكة البحرين واليمن، وحالياً في سوريا. ناهيك عن استخدام إيران قضية (القدس) كمسمار جُحا للبقاء على المسرح السياسي كونها مدافعة عن الإسلام، وترسانة «كلامية» ضد إسرائيل! وكانت الإدارة الأمريكية قد أعلنت إثر فوز الرئيس (روحاني) في الانتخابات الرئاسية، استعدادها للحوار مع الحكومة الإيرانية مباشرة للتوصل إلى حل ديبلوماسي لتبديد قلق المجتمع الدولي بشأن برنامجها النووي. في ذات الوقت، تمسّك الرئيس (روحاني) بموقف النظام في طهران، رافضاً أي وقف لتخصيب اليورانيوم، لكنه وعدَ بمزيد من «الشفافية» حول أنشطته! وفيما يتعلق بالعلاقات مع الولاياتالمتحدة، أعلن (روحاني) -في أول تصريح له منذ انتخابه في 2013/6/17 – استعداده لحوار مع الولاياتالمتحدة «ضمن المساواة والاحترام المتبادل، مع الإقرار بالحقوق النووية»! معلوم أن محادثات (5+1) المتعلقة بالملف النووي الإيراني قد تعثّرت، بفعل الشكوك حول قدرة إيران على صنع سلاح نووي (90%)، وهو ما تنفيه إيران! وكان (روحاني) قد أشار في هذا الخصوص إلى أن «المبدأ يتمثل في جعل المفاوضات مع (5+1) أكثر فعالية، فالمشكلة النووية لا يمكن تسويتها إلا عبر المفاوضات، التهديدات والعقوبات ليست ناجعة»! فهل استطاع السلطان قابوس تبديد الغيوم السوداء في سماء طهران!؟ وهل ستُبدي الإدارة الإيرانية مزيداً من المرونة، وتدرك خطورة انهيار البلاد من الداخل إثر العزلة الدولية، وتردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية للمواطن الإيراني؟ (احتلت إيران المرتبة العالمية الثالثة في ارتفاع نسبة التضخم عام 2013، كما قال رفسنجاني: «إن حكومة (أحمدي نجاد) أتلفت 80 مليار دولار من إيرادات البلد خلال السنوات الماضية»)! وهل استطاع السلطان -كزعيم في منظومة دول مجلس التعاون الخليجي- أن يقنع الجانب الإيراني بما دأبَ عليه مجلس التعاون من دعوات مخلصة -لإيجاد حل سلمي للنزاع- وعبر الحوار حول جزر الإمارات الثلاث التي تحتلها إيران منذ السبعينيات!؟ وهل تمكّن من «تحذير» إيران من مغبة التدخل في سوريا، خصوصاً مع ظهور «بوادر» توجيه ضربات قاسية ودقيقة للنظام السوري؟ إذ أن ذلك التدخل سيُلحق الضرر بإيران. وهل فعلاً تنتظر الولاياتالمتحدةالأمريكية ليونة في الموقف الإيراني؟ أو كانت بحاجة إلى وساطة؟ كما علّق كثيرون على زيارة السلطان لطهران، وأن بقاءَها على الحياد في المسألة السورية ستقابله «مكافأة» أمريكية في المستقبل! وهل يمكن تغيّر اتجاه البوصلة الإيرانية بما يُمكّن من تطبيع إيران علاقاتها مع جيرانها، والنظر إلى العالم بعين التسامح والتواضع لا النديّة والخصومة؟