كان داوود عليه السلام أولَ من صنع الدروع بأمرٍ من المولى عز وجل «أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ»، وتضمّن تعليم العزيز الحكيم لنبيه عليه السلام تلك الصناعة تفصيلاً دقيقاً وصل إلى مقدار حجم المسمار ومقدار ولوجه في الحلقة «وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ»، السَرْد هو مسمار حلق الدرع، فقد وجه المولى عز وجل داوود عليه السلام أن يُقدّر المسامير في حلق الدروع بحيث لا يُغلظ المسمار ومن ثم تضيق الحلقة فتفصَم، ولا يُوسّع الحلقة ويصغر المسامير ويدقّها فتسلس في الحلقة. ويستوقفنا في ذلك الأمر، من وجهة النظر الإدارية، مقدار التوضيح لتفاصيل العمل المطلوب إنجازه من المولى تعالى في عظمته «وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ» لنبي الله داوود عليه السلام الذي عُهد عنه التميّز في العمل والعبادة، فقد ورد وصفه في القرآن الكريم بأنه «ذَا الْأَيْدِ» وورد في الحديث الشريف «أن أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وأن نبي الله داوود كان يأكل من كسب يده»، كما ورد عن المصطفى صلى الله عليه وسلم «أحب الصلاة إلى الله صلاة داوود، وأحب الصيام إلى الله صيام داوود... الحديث». إن وضوح التعليمات متطلب أساسي لنجاح العمل وازدهار منظومات العمل المختلفة، سواءً الأعمال الفردية أو الجماعية، ومن ذلك التوجيهات القرآنية «وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ»، وتوجيهات أعظم قائد في تاريخ البشر صلى الله عليه وسلم «إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ»، ثم أقوال المشاهير من أمثال أفلاطون: أتقن عملك تحقق أملك، وستيف جوبز: الناس تحكم عليك من خلال أدائك، لذلك ركّز على مخرجاتك وأجعل الجودة والإتقان هي مقاييس أعمالك ولا تنظر إلى الكمّ ولكن إلى الكيف. ويجدر بنا، للنجاح في إدارة فرق العمل وإنجاز المهام بإتقان، الاستنارة بقبس التوجيه الإلهي الكريم لنبي الله داوود عليه السلام المتضمّن تفاصيل دقيقة حول صناعة الدروع. وحريٌ بالقائد الفطِن أن يحرص دوماً على توضيح طبيعة العمل وتفاصيل المهمة المطلوب إنجازها لفريق العمل والمعنيين من حوله، فإذا كان المولى عز وجل (بجلاله وعظمته) قد ضمّن في توجيهه لنبي الله داوود عليه السلام (مع مهارته) التفصيل الدقيق لحجم المسمار ومقدار ولوجه في حلق الدرع (وهو تفصيل دقيق)، فإنه لا ينبغي لأي قائد (أو مسؤول) أن يستنكف عن التواصل بفعالية مع فريق عمله وتوضيح ما يلزم، كلما استدعى الأمر، ولا عُذر بانشغاله أو وجود أمور أخرى أكثر أهمية من تواصله مع فريق عمله. ولنا في سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم مع أصحابه الأسوة الحسنة حيث يبرز تواصله الدائم عليه أزكى الصلاة والسلام مع من حوله إعداداً لخير أمة أُنيط بها مهمة هداية البشرية إلى المنهج الذي ارتضاه الحق عز وجل للحياة والعبادة. وخلاصة القول، فإن التواصل الفعّال ومشاركة التجارب بين جميع أفراد فريق العمل، بمن فيهم القائد، وتوضيح متطلبات النجاح والتحديث المستمر للمعارف والخبرات الذاتية، يُعتبر ركيزةً أساسيةً للنجاح وتحقيق #ديمومة_الترقي لمنظومة العمل. وينبغي على القيادي (والمسؤول) أن يحرص على تخصيص الجزء الكافي واللازم من وقته لفريق عمله، وله ألا يُسرف في تخصيص الجزء الأكبر من وقته في اجتماعات ولقاءات لا تترك له مجالاً للمهام الأخرى، ولَيُقَدِّرْ لذلك فِي السَّرْدِ. * وكيل وزارة الحج والعمرة لشؤون نقل الحجاج والمعتمرين mtsimsim@