ليلة ساخنة قضاها 100 مليون مصري امتزجت فيها الدموع بالدعاء بالسخط وتغريدات الغضب، كان للاعب ريال مدريد «سيرخيو راموس» النصيب الأكبر منه بعدما تسبب في إصابة النجم المصري العالمي «محمد صلاح» في مباراة نهائي كأس أوروبا بين ريال مدريد وليفربول ليلة (الأحد) الماضي. إلا أن الدقيقة 30 من المباراة وما تلاها من ساعات أرغمت الأذهان على استعادة «الأجواء المشحونة» -التي ما تلبث أن تتجدد بين حين وآخر- بين منتخبي مصر والجزائر بمدينة (أم درمان) السودانية خلال التصفيات المؤهلة لكأس العالم في العام 2009، وما طرأ بعدها من تطورات سريعة ومتلاحقة أدت لتوتر دبلوماسي وشعبي استدعى نزول ملايين المصريين للشوارع تعبيرا عن الانتصار بعد الهزيمة التي مني بها منتخب الفراعنة؛ لتزداد حدة التوتر بين الشعبين العربيين بسبب «ماتش كورة». مؤازرة المصريين لصلاح برهنت أنها ليست مجرد تشجيع حماسي للاعب نجح نجاحا منقطع النظير في الاستحواذ على قلوب المصريين والعرب والإنجليز في آن واحد، بل بات صلاح «حالة» تتوحد فيها أحلام المصري العادي بأمنياته وآماله، وعجزه عن الركض وراء أحلامه وأهدافه، واستيعاب الفرق بين الإمكانيات والواقع فأصبح هذا الإنسان يرى في صلاح نفسه بل هو صلاح؛ لذ حصد «راموس» -عن استحقاق- هذا السيل العرم من السخط والغضب الذي اجتاح مواقع التواصل الاجتماعي. حقائق عدة كشفتها «ليلة الأحد» ليس فقط عن المصريين أو العرب أو العالم الثالث أو حتى الأول، أبرزها أن الكرة أصبحت هي الجامع الحقيقي بين العالمين «المتقدم والمتأخر» وأن معدلات التضخم، وإحصاءات البطالة، وتدني مستويات الدخل، وقفزات أسعار السلع الأساسية والخدمية التي تؤثر بالدرجة الأولى على المواطن محدود الدخل سرعان ما يختفي تأثيرها ومؤثراتها أمام لحظات من مباراة للفاتنة المستديرة حتى وإن كانت في آخر أصقاع الدنيا، وأن هذه الساحرة هي فعلا ساحرة وماكرة تتسمر أمامها العيون، وتذرف لها الدموع، وتغيب بها العقول، وتتوسل لها القلوب، رغم أنها لا تعترف إلا بلغة الأرقام، وأعداد الأهداف، وحسابات الربح والخسارة، واللعب القذر في أحيان كثيرة؛ ليصدق قول الكاتب «إدواردو غاليانو» «لقد تحول اللعب إلى استعراض فيه قلة من الأبطال وكثرة في المشاهدين، وتحول هذا الاستعراض إلى واحدة من أكثر الأعمال التجارية ربحا في العالم؛ لذا فإن كرة القدم هي الشعوذة التي تستحقها الشعوب».