بعد حديث وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، وإعلانه 12 شرطا على إيران من أجل إعادة رفع العقوبات، ذهب البعض إلى تسمية خطاب بومبيو بخطاب الحرب، والبعض الآخر حتى من المحللين الأمريكيين، اعتقدوا أن الإدارة الأمريكية وضعت هذه الشروط حتى لا تقبل بها إيران. المعضلة في الشروط التي طلبها بومبيو من إيران، أنها تجرد إيران من كل أدوات القوة في منظورها، وهي مشروع السلاح النووي، ومشروع تطوير الصواريخ البالستية، وأذرع إيران القادرة على زعزعة الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، وفي بعض الأحيان تدعو حاجة النظام في إيران إلى الإضرار بمصالح أوروبية. لا شك أن توقيت التقارب الكوري الشمالي مع الولاياتالمتحدة، ومدى جدية كيم جونغ أون في التخلي عن سلاحه النووي، بالغ الأثر على وضع الاتفاق النووي الإيراني، برغم تأجيل اللقاء بينه وبين ترمب في سنغافورة، وكلما تخلى الزعيم الكوري عن إرث أبيه وجده العدوانيين، وقرر إدخال بلده إلى العالم الطبيعي، كلما مثل ذلك ضغطا أكبر على خامنئي. ولعل ما يخيف الدول المارقة مثل كوريا الشماليةوإيران، هو مصير يشبه مصير ليبيا القذافي، وهذا ما لوح به بالفعل مستشار الأمن القومي جون بولتون حول كوريا، ولا شك أن هذا التصريح لم يكن في محله، ليس فقط لأن النظام الليبي كان مهترئا ولكم يكن أيضا سلاحه بهذا التطور، لكن لأنه أجل فرصة تخليص العالم من سلاح خطر لدى نظام كوريا الشمالية. إيران تعتقد أن قدرتها على الإضرار بمصالح غربية، وقدرتها على التغلغل عبر أذرع مسلحة في عدة دول عربية، هو ما دفع دولا عدة للجلوس معها على طاولة المفاوضات، دون أن يعني ذلك إغفال المصالح الاقتصادية الكبيرة للدول الأوروبية الثلاث (فرنسا، وألمانيا، وبريطانيا)، حيث بالفعل توجد مصالح كبيرة بين فرنسا وألمانيا مع طهران، وتمثل إيران سوقا جديدا لبريطانيا يعوضها عن آثار الخروج من الاتحاد الأوروبي (بريكست). هذه الشروط ال12 التي قدمها بومبيو شروط طبيعية يقبل بها أي نظام يقدم التنمية والرفاهية لشعبه على أحلام الإمبراطورية البائدة، خصوصا أن الجزرة التي تقدم لقبولها هي رفع لكامل العقوبات، وبالتالي عودة إيران للتعامل مع العالم بشكل طبيعي، مع اتفاق جديد بالطبع يمنعها من العودة إلى ما كانت إليه من ترهيب، أو الوصول إلى ما تطمح إليه من تخصيب. وبعد عام من المقاطعة العربية لقطر، يذكرنا موقف إيران اليوم بموقف قطر، ويبين لماذا يجد نظام الدوحة صعوبة في قبول شروط الدول الأربع المكافحة للإرهاب، فنظام الدوحة لا يعتبر قوته في صندوقه السيادي، أو معلم سياحي كسوق واقف أو كتارا، بل يعتبر قوته في علاقاته مع حزب الله والحشد الشعبي وحماس والحوثيين، وبالتالي التخلي عن الدعم والعلاقات مع هذه الجماعات يفرغ النظام من النفوذ الذي عوضه صغر حجمه. ولكن بالعودة إلى إيران بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي، والبدء في فرض العقوبات على عناصر من حزب الله وجهات أخرى تابعة لها، ما هي الخيارات التي تملكها وهي تهرول بين قاعات الاجتماعات داخل فنادق أوروبا لحفظ ما تبقى من الاتفاق النووي، وإلى أي مدى يستطيع الأوروبيون تحديدا حماية مصالحهم والمصالح الإيرانية من الاتفاق. أولا في ما يخص خيار الحرب المباشرة فهو أمر مستبعد، كما ذكرت في مقال سابق بعنوان «الحرب التي لن تأتي»، والحرب بالوكالة أيضا تبدو أصعب من ذي قبل، حيث لبنان التي لا يمكن لحزب الله إشعال فتيل معركة مباشرة مع إسرائيل بعد ما حققت من نجاح معنوي في الانتخابات، إضافة إلى أن ظهرها غير محمي نظرا للواقع السوري، الذي تسبب أيضا في قتل وجرح الكثير من عناصر الحزب، إضافة إلى العناصر التي ما زالت تقاتل في سورية. كما أن الإيرانيين يدركون تماما أن الروس رغم التوافق الكبير فليسوا حلفاء على طول الخط، فهم نسقوا مع الإسرائيليين لضرب عشرات المواقع الإيرانية في سورية، ولم تنطلق بطارية واحدة من الدفاع الجوي الروسي للتصدي لها، إضافة إلى تصريح بوتين الأخير حول الحل السياسي في سورية الذي يتضمن خروج جميع القوات الأجنبية بما فيها التابعة لإيران. الإيرانيون لن يكونوا باحثين عن حرب مباشرة، لكن أي ضربة على أهداف نووية ستكون رئة جديدة للنظام الإيراني يتنفس منها شعبية في أسوأ فترات شعبيته، وفي حال عدم حدوثها فالأرجح أنه سيعمل على إستراتيجيتين، الأولى شراء الوقت على أمل انتهاء فترة ترمب، أو ربما حلم إسقاطه إذا تغيرت الأكثرية في الكونغرس نوفمبر القادم، وإن كان نائبه أشد قسوة منه. والإستراتيجية الثانية ستكون على الأرجح في الدول الإقليمية التي لن تسمح بانفلاتها من نفوذها، وعوضا عن السلاح النووي ستعود أذرع إيران للاغتيالات بسكين باردة في بيروت والنجف وبغداد. * كاتب سعودي