كتب العلماء كثيراً في الفوائد الصحية للصيام، إلا أن المخاطَب الأساسي في رسالة الصيام هو روح الإنسان وجوهره الداخلي. يرى سيجموند فرويد المُسمى بوالد علم النفس في الغرب أن شخصية الإنسان متشكلة من ثلاثة أقسام: «Id» و «Ego» و«Super ego»، والذي يمكن ترجمته ب «الهو» و«الأنا»: و«الأنا الأعلى». وحسب رأي فرويد يخضع ال «هو» لغرائز الإنسان الحيوانية ويعمل تحت تأثير (أصل اللذة). أما البُعد الآخر للإنسان والمُسمى ب (الأنا الأعلى) أو (قاضي الوجدان) فإنه يتكون من القوانين الأخلاقية والآداب الاجتماعية ويسري من المحيط الخارجي إلى ذهن الإنسان. يقوم هذا الجزء – الأنا الأعلى – بالتحكم في غرائز الإنسان الحيوانية ويُهذبها حتى يستطيع الشخص الحياة في المجتمع. يكمُن الجزء الأكبر من (الأنا الأعلى) في الجزء الواعي من ضمير الإنسان ويوجد جزء منه في الضمير اللاواعي والذي يدفع الشخص في بعض الحالات إلى الإحساس بالذنب بشكل تِلقائي. يعتقد فرويد أن ال (هوَ) يستخدم طرقا عديدة، منها تغيير الشكل الظاهري للإفلات من قبضة (الأنا الأعلى). أما (الأنا) أو ما يمكن أن نسميه ب (الوسيط) فإنه يسعى لإرضاء الغرائز مع مراعاة النُّظم الأخلاقية. يُعد عمل (الأنا) صعبا للغاية، لأنه يقع تحت ضغط رغبات ال (هو) ونزواته الشهوانية العنيفة وفي نفس الوقت تواجهه قوانين (الأنا الأعلى) ونُظمه الأخلاقية والاجتماعية. حسب ما يرى فرويد فإن هناك صراعاً دائماً في باطن الإنسان بين (الأنا الأعلى) وال(هو)، ويسعى (الأنا) إلى إدارة هذا الصراع بنحو ما. ومادام الإنسان يقظاً ومنتبهاً فإن (الأنا) يقدر على كبح جماح ال(هو) بشكل جيد، ولكن بمجرد غفلة الإنسان أو غفوة ضميره يستطيع ال(هو) اختراق حصن (الأنا الأعلى) ويسرح كيفما يشتهي. هذا التقسيم لأنواع النفس الثلاثة (الهو، الأنا، والأنا الأعلى) كان القرآن الكريم قد وضحه وفصل فيه، حين قسّمَ الأنفسَ إلى نفسٍ أمارة بالسوء، ونفسٍ لوامة، ونفسٍ مطمئنة. إذا تجاوزنا فرويد وأفكاره، سنجد أن رُوّاد الفكر الإسلامي عدّوا الإنسان كيانا متشكلا من نصفين: نصفُ مَلك ونصف حيوان، إذ يدور صراع دائم بين هذين النصفين. الشطر الحيواني من النوع الإنساني يوازي النفسَ الأمارة بالسوء أو ما يسميه فرويد ب ال( هو). والشطر الملائكي يُعادل مفهوم (الأنا الأعلى) في مدرسة فرويد. وإذا تأملنا الرسالة الأساسية التي يهدف رمضان والصيام فيه إلى تحقيقها لوجدناها، وفي اللب منها إخضاع النفس الأمارة للسيطرة ومكافحة الشطر الحيواني من شخصية الإنسان. * محاضر بجامعة (إس إم يو ) بولاية تكساس الأمريكية سابقا