أشد صراعات الإنسان ضراوةً صراعه مع نفسه؛ فالإنسان يمضي عمره بين مثلث حياته كما وصفه العالم النفساني الكبير (فرويد) إذ يقول: "إن الشخصية مكونة من ثلاثة أنظمة هي (ال هو)، و(الأنا السفلى)، و(الأنا العليا)" والأنا العليا بمفهومنا الدارج هي الدين، والقيم، والمبادئ التي يتكون من خلالها الضمير، أما (الأنا السفلى)؛ فهي التي تعمل بمبدأ الواقع وتحاول التوفيق بين رغبات الإنسان، ومثله العليا، و(ال هو) ما هو إلا رغبات الإنسان الجامحة التي تفلت من (الأنا العليا) تحت وطأة الغريزة التي اكتملت قبل تكوين الضمير، وتأثيره. وهذه المعادلة ينتج عنها السلوك، والتصرفات التي يسلكها الإنسان في حياته؛ ومتى ما غفا ضميره الذي يوجهه، ويضبط نزواته تراجع عن إنسانيته، وابتعد تاركاً خلفه كثيراً من المبادئ، والقيم التي صنعها ضميره قبل أن يغفو في أحضان المادة. ومع انغماس إنسان هذا العصر في المَدَنِية الغارقة في المنفعة طغى عليه الجانب المادي، وضعف عنده الجانب الروحي، وتقهقرت كثير من قيمه، ومبادئه إلى الخلف. ومع ضعف قبضة الضمير، ورغبة النفس بالحصول على غاياتها دون أن تكترث بالوسائل انطلقت تخوض في وحل الماديات لايحركها إلا المنفعة؛ وأظهرت لنا وجهاً آخرَ للإنسان نشاهده واضحاً من خلال الفساد المالي، والأخلاقي، والإداري، وأشكال من العنف، والتطرف تغزو العالم الإنساني في شتّى أنحاء المعمورة. والغوص في ظاهرة نزوع الإنسان للماديات يخلق لنا عدة أسباب أبرزها، وأهمها نشأة الإنسان التي لها الدور الأكبر في بناء ضمير حي يقف حائلاً دون نزعات النفس يتشكل هذا الضمير من القيم الدينية، والإنسانية التي غُرست بشكل صحيح ومعتدل حتى أن هذه النشأة السليمة تشكل شخصية الإنسان من جديد؛ ولو كان تكوين شخصيته الجيني لا يتناسق مع مثالية نشأته. وما نشاهده اليوم من تراجع خُلقي مرده إلى توقف الضمير، وعجزه عن محاكمة النفس البشرية! وأي عودة للضمير لا بد أن تبدأ من خلال الأسرة؛ فالأسرة هي الحاضنة التي ينمو وسطها الضمير، ويتغذى فيها على القيم الدينية، والإنسانية، وينمو، ويكبر عليهما إلى أن يصبح قوياً لا تستطيع رغبات النفس تجاوزه. والأسرة تنمو، ويزداد تأثيرها على محيطها من خلال الأدوار التي تتبادلها مع مؤسسات المجتمع خاصةً مؤسستي التعليم، والإعلام بشقيهما الحكومي، والخاص؛ فهما الأساس في بناء المجتمع؛ فالتعليم هو المسؤول عن التربية والمعرفة، والإعلام هو من يقوم بنشر هذه الثقافة؛ ومع نشر ثقافة الوعي تزداد الرقابة الذاتية لكل فرد مما يشكل مجتمعاً واعياً يراقبه ضميره قبل أن تراقبه تشريعاته وقوانينه.