أثار مقطع فيديو في إحدى مدارس الرياض لغطاً واسعاً بين أطياف المجتمع حين ظهرت صغيرات يتدثرن بالسواد ويغطين وجوههن ويرددن هتافات «حجابي نجاتي» ويحملن لافتات كتب عليها «شعيرة لن تندثر» و«حجابي تاج رأسي» في مسيرة أشبه بالمظاهرة داخل المدرسة بتنظيم وتصوير معلماتهن، ويأتي ذلك امتداداً لحالتي الجدل والسجال اللتين أحدثهما خروج وكيلة وزارة التعليم لتعليم البنات د. هيا العواد كاشفة وجهها في المنتدى الدولي للتعليم، فكان الهجوم شرساً وممنهجاً ضدها، وهذه المظاهرة من مفرزاته. كتبتُ في مقال سابق أن العباءة السوداء ليست إلزاماً دينياً، بل عادة وتقليداً متوارثاً رسخته بعض العادات والموروثات الاجتماعية لتتلقفها الصحوة فتكرسها كفرض ديني ضمن مشروعها الأيديولوجي في إخفاء المرأة وطمس هويتها، وشعيرة يجب الحفاظ عليها من عبث العابثين من ليبراليين وعلمانيين ومفسدين إلخ، والطرح هنا ليس عن تاريخ العباءة وجواز غطاء الوجه من عدمه، بل عن كيف تم توظيف الحجاب بدوغمائية وقطعية متزمتة للتحريض بين فئات المجتمع التي تضم فِرقاً ومذاهب ومدارس فقهية مختلفة، وخير مكان تُغرس وتؤجج بهذه النعرات هو مؤسسات التعليم التي تحتضن النشء منذ نعومة أظفاره حتى تخرجه، وهو وقت كافٍ لتأصيل الفكر السروري الذي ينبثق من التنظيم الإخواني الحاضن لكل تيار أو تنظيم أو جماعة إرهابية، وهو فكر عصي على الاستسلام تحت أي ظرف. السرورية فكر خبيث المنشأ والأهداف، يتسلل وينمو حيث يجد البيئة الضامنة للعمل بخفية وسرية، وتمدد هذا الفكر في مؤسسات التعليم أمر لا يخفى على الجميع، ولكن الذي يخفى على البعض أن دهاقنة السرورية النسائية أكثر مرونة وأخطر تمدداً في نشر فكرهن بين أوساط النساء خصوصاً الطالبات ومنسوبات التعليم، ورغم جهود الدولة في محاربة هذا الفكر إلا أنه فكر لا يستسلم كما أسلفت ولا يرفع الراية، قد يتوارى في حالة «كُمون» ولكنه لا يموت قطعاً، وكيف ننتظر ممن كانت جحافلهم تتجمهر أمام مكاتب الوزراء لإقصاء المرأة والتأليب ضد حقوقها أن يختفي أو يموت في يوم وليلة؟ كنتُ قد طرحت اقتراحاً على وزير التعليم في تويتر، وأكرره هنا بما أن الوزارة جادة في اجتثاث هذا الفكر المتطرف: لماذا لا يتم استحداث «نظام تبليغ» برقم الهوية عن أي حراك أو مناشط تحمل فكراً ممنهجاً في مؤسسات التعليم مشابه في آليته لنظام مكافحة الفساد، ويرتبط بمسؤول يشهد له بالاعتدال الفكري في الوزارة ويعمم ذلك في وسائل التواصل مع ضمان السرية وحفظ معلومات المتعاون، أو ربط التبليغ بلجنة رقابية داخل الوزارة وتتبع أمن الدولة، كذلك العمل على خطة لتغيير الإدارات المدرسية وتفعيل نظام المراقبة بالكاميرات داخل الفصول وأماكن ممارسة الأنشطة المعروفة كالمصليات. أخيراً.. كما يحمي جنودنا حدود وطننا من أي خطر خارجي، فنحن جنوده في الداخل ولزاماً علينا حمايته من المخاطر المحدقة وأهمها الخطر المتمثل «بالسرورية»، فبلغوا عن أي حراك أو نشاط مريب فهذا أعظم احتساب!