يختلف العرب كعادتهم لجهة تاريخ القمم العربية؛ فبعضهم يؤرخها بأول اجتماع للقادة العرب انعقد بزهراء أنشاص في الفترة ما بين 28 و 29 مايو 1946 بدعوة من الملك فاروق ملك مصر والسودان، والذي حضرته الدول العربية المستقلة آنذاك وكان عددها سبع دول هي المملكة المصرية والمملكة العربية السعودية والمملكة الأردنية الهاشمية والمملكة العراقية والمملكة المتوكلية اليمنية وجمهوريتا سورية ولبنان. في هذا الاجتماع الأول من نوعه مثّل الملوك فاروق الأول وعبدالله بن الحسين الأول والرئيسان شكري القوتلي وبشارة الخوري بلدانهم مصر والأردن وسورية ولبنان على التوالي، فيما مثل المملكة العربية السعودية ولي العهد الأمير سعود بن عبدالعزيز ممثلا عن والده الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود طيب الله ثراه، ومثل العراق الوصي على العرش الأمير عبدالإله بن علي ومثل اليمن الأمير سيف الإسلام إبراهيم بن يحيى نيابة عن والده الإمام يحيى حميد الدين. أما نتائج هذه القمة غير المسبوقة عربيا فقد تمثلت في عدد من القرارات منها: اعتبار الصهيونية حركة تهدد جميع البلاد العربية وليس فلسطين وحدها، الدعوة إلى إيقاف هجرة اليهود إلى فلسطين، مساعدة عرب فلسطين بالمال وغيره لمواجهة ما يتهدد وجودهم وهويتهم، علاوة على تقديم كل أشكال الدعم والعون للشعوب العربية الرازحة تحت نير الاستعمار الأجنبي إلى أن تستقل بلدانها، وتأييد استقلال ليبيا. البعض الآخر من العرب يستبعد هذا المؤتمر من قائمة القمم العربية ويستبعد منها أيضا القمة التي تلتها والتي انعقدت على عجل في بيروت ما بين 13 و 14 نوفمبر 1956 بدعوة من الرئيس اللبناني كميل شمعون للبحث في قضية العدوان الثلاثي على مصر وقطاع غزة. هذه القمة، التي تمثل فيها مصر الدولة المعنية بانعقادها بوفد متواضع ترأسه سفيرها في بيروت آنذاك اللواء عبدالحميد غالب، حضرها الملك سعود والعاهل العراقي الملك فيصل الثاني والعاهل الأردني الملك حسين بن طلال والرئيس السوري شكري القوتلي والرئيس اللبناني كميل شمعون والإمام سيف الإسلام محمد البدر ولي عهد المملكة المتوكلية اليمنية ورئيس وزراء ليبيا مصطفى بن حليم نيابة عن الملك إدريس السنوسي. وقد صدر عنها بيان ختامي حول الوقوف إلى جانب مصر ودعمها، وتأكيد سيادتها على قناة السويس وفق معاهدة 1888 والمبادئ الستة التي أقرها مجلس الأمن الدولي بتاريخ 13 أكتوبر 1956، والتلويح بممارسة حق الدفاع المشروع عن النفس في حال لم تمتثل الدول المعتدية الثلاث لقرارات الأممالمتحدة بسحب قواتها من الأراضي المصرية. كما تضمن البيان الختامي فقرة حول تأييد الشعب الجزائري في نضاله من أجل الاستقلال. أما سبب استبعاد القمتين المذكورتين من قائمة القمم العربية فهو بحسب هذا البعض عدم قيام الأمانة العامة لجامعة الدول العربية بالإشراف عليها وتنظيمها والدعوة إليها، حيث لم تكن القمم العربية آنذاك مؤسسة من أعلى مؤسسات الجامعة كما هي منذ عام 1964 وحتى اليوم. وبالتالي فإن هذا البعض يؤرخ بدء القمم العربية بتلك القمة التي دعا إليها الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر فجأة في يوم 23 ديسمبر 1963 من خلال خطابه السنوي المعتاد في بورسعيد بمناسبة ذكرى جلاء قوات العدوان الثلاثي عن المدينة سنة 1956 أو ما يسمى في الأدبيات المصرية ب «عيد النصر»؛ ففي ذلك الخطاب دعا عبدالناصر إلى اجتماع في القاهرة للرؤساء والملوك العرب لوضع خطة عربية مضادة لتهديدات تل أبيب بتحويل مجرى مياه نهر الأردن إليها. ومما قيل في أسباب دعوة الرئيس المصري الفجائية في وقت لم تكن فيه علاقاته على ما يرام مع معظم القادة العرب، هو أنه أراد أن يقطع الطريق على السوريين والفلسطيين الذين كانوا يزايدون عليه في مسألة تحرير فلسطين، بل وينتقدون تردده لجهة مواجهة الدولة العبرية. وسواء صح هذا التفسير أو لم يصح، فإن الدعوة المصرية لقيت استجابة فورية، وانعقدت القمة في مقر جامعة الدول العربية بالقاهرة في الفترة ما بين 13 و 17 يناير 1964 بحضور ممثلي الدول العربية ال13 المستقلة آنذاك، علما بأن كل هذه الدولة تمثلت بملوكها أو أمرائها أو رؤسائها فيما عدا المملكة الليبية المتحدة التي مثلها ولي العهد الأمير الحسن الرضا ورئيس الحكومة محيي الدين فكيني، ولبنان الذي مثله رئيس حكومته رشيد كرامي. ولئن استطاعت هذه القمة الفجائية حل بعض الخلافات العربية العربية المزمنة التي تسببت فيها السياسات المصرية الراديكالية، وتأسيس قيادة عربية موحدة للجيوش العربية برئاسة المصري الفريق أول علي علي عامر على أن تعمل في إطار الجامعة العربية، وانبثق عنها لأول مرة كيان ممثل للشعب الفلسطيني ممثلا في منظمة التحرير الفلسطينية التي أوكل قيادتها آنذاك للسياسي الفلسطيني أحمد الشقيري، وأقرت انعقاد القمم العربية بشكل سنوي، فإنها فشلت في تنفيذ قراراتها الخاصة بمعالجة قضية تحويل مياه نهر الأردن، وتفعيل القيادة العسكرية العربية الموحدة، فبقيت توصياتها حبرا على ورق إلى أن وقعت مصيبة السادس من يونيو 1967 التي لا يزال العرب يشكون من تداعياتها الخطيرة على مستقبلهم وأمنهم القومي. ومن المناسب ونحن نتحدث عن هذه القمة التي تفرعت عنها كل القمم العربية اللاحقة أن نشير إلى حدث وقع في يومها ما قبل الأخير، ويعد بحق صفحة خالدة في سجلات الدول التي كانت الناصرية تصفها بالرجعية والمتآمرة وذلك حينما طالب رئيس القمة (جمال عبدالناصر) ثلاث دول عربية نفطية فقط، مستثنيا العراق والجزائر بتخصيص جزء من ميزانياتها السنوية لدعم «الصمود والمواجهة للعدو الذي تدعمه أمريكا والدول الغربية». فما كان من الملك سعود رحمه الله إلا وأنْ طلب الحديث فقال: «أنا مع الرئيس في تحمل هذه الدول بعض الجهد للمعركة ويكفى أنهم يضحون بالأرواح، والمال أقل بكثير من بذل النفس. ومن هذا المكان تعلن المملكة العربية السعودية تخصيص مبلغ 40 مليون دولار دعماً للمعركة». ثم تبعه أمير دولة الكويت المغفور له الشيخ عبدالله السالم ليقول: «لقد خصصنا 15 مليون دولار دعماً لمعركة هي معركتنا». أما ليبيا فقد قررت بعد اتصالات بين رئيس وفدها إلى القمة والمغفور له الملك إدريس السنوسي في طرابلس الغرب أن تستجيب لطلب عبدالناصر فدفعت 55 مليون دولار. ما بين قمة أنشاص 1945 وقمة الظهران التي استضافتها المملكة العربية السعودية أخيرا وللمرة الأولى في منطقتها الشرقية البهية، عُقدت 40 قمة توزعت ما بين 29 قمة اعتيادية في كل من القاهرة والإسكندرية وشرم الشيخ وبيروت وبغداد وعمّان ودمشق والكويت والرياض والخرطوم والدوحة والجزائر وتونس والرباط والدار البيضاء وطرابلس الغرب وسرت ونواكشوط، و 11 قمة غير اعتيادية استضافتها القاهرة والدار البيضاء وبغداد وعمّان وفاس والجزائر، إضافة إلى 3 قمم اقتصادية كانت أولاها في الكويت في يناير 2009، وثانيتها في القاهرة في يناير 2011، وثالثتها في الرياض في يناير 2013. وعليه، نجد أن الدول العربية التي لم تستضف أي قمة حتى الآن هي البحرين واليمن ودولة الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان، إضافة إلى الصومال وجيبوتي وجزر القمر التي لها ظروفها الخاصة. والمتفحص في قائمة القمم العربية منذ انطلاقتها بصفة مؤسساتية وانعقادها بشكل دوري يجد أن بعضها رافقه الشد والجذب والتشنج، وبعضها الآخر هيمنت عليها حركات مسرحية كان بطلها على الدوام العقيد القذافي. فمثلا في قمة الخرطوم في أغسطس 1967 (قمة اللاءات الثلاثة) سيطرت أجواء الكآبة والحزن والانكسار على أعمالها بسبب هزيمة حزيران الموجعة. وفي قمة الرباط الأولى في ديسمبر 1969 تفرق شمل الدول ال14 المشاركة سريعا ولم يصدر أي بيان ختامي بسبب سلوك القذافي المعهود (كانت تلك مشاركته الأولى في القمم العربية بعد انقلابه المشؤوم على الملك إدريس السنوسي) وأسلوبه غير اللبق في مخاطبته للعاهل المغربي الملك الحسن الثاني، الذي استنجد بالرئيس عبدالناصر كي يلجم صديقه اليافع، ثم تكرار الأمر مع المغفور له الملك فيصل بن عبدالعزيز الذي غادر المكان احتجاجا. وفي قمة القاهرة غير الاعتيادية الأولى في سبتمبر 1970 كانت أجواء القمة متوترة إلى أقصى الحدود بسبب الاتهامات المتبادلة بين العاهل الأردني الملك حسين الذي كان يحاول المحافظة على عرشه وسيادة بلده من تغول المنظمات الفلسطينية من جهة، وبين منظمة التحرير الفلسطينية وأنصارها من الدول العربية الراديكالية التي اتهمت الأردن بمحاولة إطفاء جذوة النضال الفلسطيني. هذا قبل أن تطغى الأجواء الدرامية على القمة، انتظارا لنتائج مهمة تهريب الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات من عمّان والإتيان به إلى القاهرة، وكانت هذه المهمة قد كُلف بها كل من ولي عهد الكويت ووزير دفاعها الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح والرئيس السوداني جعفر النميري ورئيس الحكومة التونسية الباهي الأدغم. وفي قمة فاس الأولى في 25 نوفمبر 1981 التي حضرتها كل الدول العربية باستثناء مصر وليبيا انفض الاجتماع بعد خمس ساعات من انعقاده بسبب الجدل والاحتجاج من قبل الوفد السوري ضد مشروع الملك فهد للسلام، حيث تقرر استئناف القمة في السنة التالية، وقد عقدت قمة فاس 2 بالفعل في سبتمبر 1982 وتبنى المجتمعون مشروع الملك فهد. وفي قمة القاهرة غير الاعتيادية الثامنة في الثامن من أغسطس سنة 1990 حدث هرج ومرج غير مسبوق بسبب القرارات التي اتخذت حول معالجة الغزو العراقي لدولة الكويت، حيث رفضت بعض الدول الموالية للعراق تلك القرارات وطعنت في طريقة التصويت عليها وأسلوب الرئيس المصري السابق حسني مبارك في إدارة الجلسة الختامية. وفي قمة الدوحة التي انعقدت في مارس 2009 تكهربت الأجواء بعد أن تطاول الزعيم الليبي معمر القذافي على رئيس الوفد السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز طيب الله ثراه بكلمات غير لائقة واتهامات باطلة دون أن يتدخل رئيس القمة (حاكم قطر السابق) لإسكاته، الأمر الذي اضطر معه الملك السعودي الراحل إلى استخدام حقه المشروع في الرد المفحم. عدا القمم السنوية التي تعقدها دول مجلس التعاون الخليجي، وتلك التي كان يعقدها مجلس التعاون العربي المقبور أو مجلس التعاون المغاربي المجمد. وعدا القمة الرباعية التي انعقدت بالقاهرة عام 1957 للتوقيع على اتفاقية الدفاع العربي المشترك بين الملكين سعود وحسين والرئيسين جمال عبدالناصر وشكري القوتلي. وعدا القمم المصغرة التي كان الرئيس المصري جمال عبدالناصر يدعو إليها قادة الدول الدائرة في فلكه (مثل القمة التي عقدها في أسوان في مايو 1964 مع عبدالسلام عارف وأحمد بن بلا وعبدالله السلال رؤساء العراق والجزائر واليمن على التوالي على هامش حفل افتتاح مشروع السد العالي، والقمة التي عقدها في القاهرة في عام 1969 مع معمر القذافي وجعفر النميري ونور الدين الأتاسي رؤساء ليبيا والسودان وسورية على التوالي)، هناك بعض القمم العربية التي استضافتها المملكة العربية السعودية من تلك التي اقتصر حضورها على عدد محدود من القادة العرب لمناقشة قضية محددة. ولعل أشهر الأمثلة في هذا السياق القمة السداسية التي انعقدت في الرياض في أكتوبر 1976 لوقف نزيف الدم في لبنان على إثر حربها الأهلية المدمرة. والمعروف أن هذه القمة الاستثنائية التأمت بحضور الملك خالد بن عبدالعزيز طيب الله ثراه والشيخ صباح السالم الصباح أمير دولة الكويت الراحل والرئيس المصري أنور السادات والرئيس الفلسطيني ياسر عرفات والرئيس السوري حافظ الأسد والرئيس اللبناني سليمان فرنجية، وكان من أبرز نتائجها إعادة إعمار لبنان وتشكيل قوات الردع العربية لإعادة الأمن والاستقرار والسلام إلى سائر ربوعه. وهناك القمة الثلاثية التي شهدت مدينة الدمام جزءا من اجتماعاتها فيما شهدت الرياض جزءها الثاني وذلك في سبتمبر 1956 بحضور المغفور له الملك سعود بن عبدالعزيز والرئيس المصري جمال عبدالناصر والرئيس السوري شكري القوتلي، وكان الغرض من هذه القمة هو تعزيز الصف العربي وتنسيق المواقف العربية وإيجاد صيغة للأمن العربي المشترك. هاتان القمتان الثلاثية والسداسية اللتان راقبتهما الشعوب العربية بأمل ورجاء وترحيب، هما صورتان جليتان تجسدان بأوضح الصور والمعاني التزام المملكة العربية السعودية في ظل عهود كل ملوكها بتصفية الأجواء العربية من الخلافات وتوحيد المواقف وإيجاد الحلول المرنة لمختلف قضايا الأمة دون النظر إلى المصالح الآنية الضيقة. وهو ما تكرر أخيرا في قمة الظهران. * أستاذ العلاقات الدولية مملكة البحرين