ليس هناك ما هو أكثر ضررا بالمجتمع من جهاز ذكي في يد شخص نشيط غبي، وليس أكثر ضرراً بالرأي العام من المنصات الإعلامية التي تقتات على فتات شبكات التواصل محولة قضايا (المحتقنين من منازلهم) إلى مانشيتات هي في غنى عنها وعما يترتب عليها، فخلال السنوات القليلة الماضية أوجدت الشبكات الاجتماعية سوقاً رائجة لصرخات الحركيين والمأزومين من كل شيء بلا استثناء في السعودية، ذلك لأنها وسيلة سهلة وغير مكلفة لاستنفار الرأي العام أو ابتزاز بعض المسؤولين بالحملات الجماعية المتتالية، وهذا أمر يعرف المتابع أنه بات طبيعياً للغاية، لكن المقلق حقاً انزلاق بعض المنصات الإعلامية الرصينة إلى هوة سحيقة تتمثل في إعادة بث رسائل أولئك المحتقنين دون تدقيق أو إدراك لحقيقة القضايا المطروحة وخلفياتها، وإنما من باب نقل الصورة للجمهور لا أكثر، وهذا وإن كان من صميم عملها إلا أنها بحاجة للوقوف والتحقق ودراسة الأحداث المطروحة بشكل يضمن عدم تحولها إلى وسائل ابتزاز ف«الشيطان يكمن في التفاصيل» دائماً. بعض المغردين السعوديين في تويتر باتوا أكثر احترافاً في تمرير اتهامات تشويه خصومهم وصياغتها بشكل يضمن تحولها إلى أخبار تتسابق المنصات الإعلامية على نشرها وترويجها، وكثيرا ما ظهرت خطابات مزورة، تُنسب لجهة أو أخرى لضرب سمعتها، كما انتشرت خلال الأسابيع القليلة الماضية مقاطع فيديو مفتعلة لتوجيه الرأي العام نحو مطالبات محددة، من أبرزها المطالبات الصحوية المعروفة بإلغاء تنظيم هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعودتها بشكلها السابق، إذ يتم تصوير الأفراد والعوائل السعودية في الشوارع دون علمهم وقد يتمايل أحدهم مع أغنية طربا أو حتى يمارس سلوكا طبيعياً يعتبره المتطرف جريمة كبرى تهدد السلم المجتمعي وفق منظوره الخاص، ثم تتم إثارة الغوغاء في الشبكات بالعبارات الرنانة، والشعارات الدينية المزيفة، وهنا يتدخل الإعلام ومن ثم المسؤول في القضية رغم تفاهتها الشديدة، وعدم صدقيتها، وهذا أمر مسيء لصورتنا في الإعلام الدولي ومحزن في ذات الوقت. أيضاً يمثل الحديث عن «الفساد» مصنعاً جماهيرياً مهماً للمأزومين والمحتقنين الذين اعتادوا على توزيع تهم «الفساد» بحق أو من دون كل يوم، فمن المعروف أنه بإمكان أي مجموعة نشطة في أي شبكة تواصل شعبية تحويل شكوى كيدية تافهة يطلقها موظف كسول «محتقن من مديره» إلى تهمة فساد مجلجلة تتناقلها الركبان و«القروبات» بعد أن تتبناها بعض المنصات الإعلامية من دون وعي أو تحقق، وأتذكر أن أحد قياديي هيئة مكافحة الفساد صرح سابقا بأن الهيئة تتلقى أكثر من 100 بلاغ يومياً من مواطنين وموظفين ضد جهات مختلفة معظمها كيدية وتحريضية لا صحة لها.. طبعاً لكم أن تتخيلوا ما مصير هذه الشكاوى الكيدية لو توجهت إلى شبكات التواصل ومن ثم وسائل الإعلام الباحثة عن الإثارة و«ما يطلبه المحتقنون» الذين يعيشون دور البطولة الغبية خلف شاشات أجهزتهم الذكية، ولا حول ولا قوة إلا بالله. Hani_DH@ [email protected]