يبدو أن الانفجار المعلوماتي الكبير المتمثل في شبكات التواصل الاجتماعي أوجد سوقاً رائجة للمحتقنين في السعودية، وشكّل وسيلة سهلة وغير مكلفة لابتزاز الأشخاص والجهات، والمقلق هو توجه وسائل الإعلام بأشكالها كافة من تلفزيون وإذاعة وصحافة إلى إعادة بث رسائل المحتقنين والمبتزين... يحدث هذا في الغالب من دون علمها بحقيقة كل قضية، وإنما من باب نقل الصورة للقراء لا أكثر، وهذا وإن كان من صميم أدائها إلا أنه بحاجة للوقوف والتأمل ودرس الظاهرة الجديدة بشكل يضمن عدم تحول وسائل الإعلام إلى وسائل ابتزاز. بعض التنظيمات المشبوهة، والأشخاص ذوي الإشكاليات الخاصة مع أفراد أو جهات، أصبحوا أكثر احترافاً في تمرير عمليات تشويه خصومهم عبر شبكات التواصل لتتحول لاحقاً إلى أخبار تنشرها وسائل الإعلام، فظهرت خطابات مزورة، على سبيل المثال، تُنسب لجهة أو أخرى لضرب سمعتها، وقد تورط في قضية مشابهة الصحافي الشهير روبرت فيسك عام 2011، عندما أعاد نشر وثيقة مزورة منسوبة لوزارة الداخلية السعودية في صحيفة «الإندبندنت» البريطانية، بعد نشرها في الشبكة العنكبوتية، بعد ذلك بأشهر أدين قضائياً وحكم على الصحيفة بالتعويض والاعتذار، لكن حتى اليوم لا تزال صفحات ومواقع الانترنت تتداول خبر تلك الوثيقة، ما يعني أن الضرر مستمر حتى اليوم، على رغم الحكم القضائي. أيضاً يخرج بين فينة وأخرى مجموعة من المجاهيل عبر «تويتر» أو «فيسبوك» بحملات تشويه كبيرة تنال من سمعة أفراد وجهات وربما دول، وهذا أمر شائع وليس بالجديد، لكننا نتفاجأ بعدها بأن برامج تلفزيونية شهيرة في السعودية تعمد، بحسن نية، أو بحثاً عن الإثارة، إلى تبني تلك الحملات، متحولة إلى بؤر احتقان ووسائل تصفية حسابات، والمؤسف حقاً أن معظم الأطروحات في هذا الإطار لا تصمد أمام ردود الجهات المتضررة بأي حال من الأحوال، لكن الضرر الناتج عن تشويه السمعة يستمر، على رغم التوضيح، لأن جحافل «المحتقنين» هدفها التشويه لا غير. بعد كارثة سيول جدة أصبح الحديث عن «الفساد» فاكهة الصحافة السعودية، في ظل الصدمة التي خلقت جواً جديداً من الشفافية، ولأن الشيطان يكمن غالباً في التفاصيل، أصبحت هناك مساحة واسعة لتوزيع تهم «الفساد» بحق أو من دون على الكثير من المسؤولين، وتحولت كل شكوى كيدية من موظف في «مديره» إلى تهمة فساد محتملة قد تتبناها الصحافة من دون وعي، وهو ما أشار إليه نائب رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد الدكتور عبدالله بن عبدالعزيز العبدالقادر، خلال حديثه على هامش ندوة «حماية النزاهة ومكافحة الفساد»، التي استضافها نادي ضباط قوى الأمن في الرياض في شهر كانون الأول (ديسمبر) الماضي، عندما أكد ورود أكثر من 100 بلاغ يومياً للهيئة من مواطنين ضد جهات مختلفة، معظمها كيدية وتحريضية... طبعاً لكم أن تتخيلوا ما مصير هذه الشكاوى الكيدية لو توجهت إلى شبكات التواصل الاجتماعي، ومن ثم وسائل الإعلام الباحثة عن الإثارة، وما يطلبه «المحتقنون»! [email protected] @Hani_Dh