قبل سنوات كتبت في هذا العمود مقالا بعنوان: (تويتر ما يصلح لنا)، فحاول أحد الإخوة المغردين إخراج المقال عن سياقه، واتهمني أنا (الغلبان) بأنني أسعى للحد من حرية التعبير، ولا زلت عند رأيي بأن حرية التعبير لا يمكن أن تكون موجودة في وسائل الإعلام الجديد ما لم يكن الإعلام التقليدي يتمتع بهذه الحرية، ويعزز الوعي الشعبي بأهمية الاختلاف.. أما في غير هذه الحالة فإن الأمر سيتحول إلى ما يشبه تكليف أفراد من قبيلة بدائية في مجاهل أفريقيا بقيادة مركبة فضائية، فهم بالتأكيد لن يصلوا إلى المريخ بل (سيخبطون) في أقرب عمارة سكنية، ولعلكم تراقبون اليوم ما يحدث في وسائل التواصل الاجتماعي في مختلف أنحاء العالم العربي، حيث تكفل الناس العاديون بالنيابة عن السلطات بقمع من يختلف معهم، والتحريض عليه وتشويه صورته والتشهير به. وفي مجتمعنا تحول تويتر إلى حديقة للمزايدات المكشوفة، ومن ذلك ما حدث قبل يومين لبائعة بسيطة تسمى (أم نايف)، مزحت مزاحا عاديا جدا أمام زبون أجنبي، وقالت إنه أجمل من الرجال السعوديين ذوي اللون الأشهب (ما عليها زود)، وكان مقطع الفيديو خفيف الدم بالفعل، ولا يستحق كل الضجة التي أثيرت حوله في وسائل التواصل الاجتماعي، حيث (اشتغلت) ماكنة التحريض في تويتر، فقامت اللجنة المنظمة للمهرجان، الذي تتواجد فيه، بإزالة بسطتها عقابا لها على قلة حيائها، وليس لدي شك بأن من اتخذ هذا القرار شخص أشهب الفؤاد قبل أن يكون أشهب الجلد، لأنه حرمها من فرصة الكسب المشروع وأساء لشخصها بطريقة مؤذية جدا، حيث جسد قراره العجيب اعترافا رسميا بأنها امرأة قليلة الأدب. ومثل هذا السيناريو لا يطال البسطاء فقط، باعتبارهم الطرف الأضعف، بل وصلت سهامه إلى النخبة أيضا، حيث قام بعض المغردين المجهولين بالاعتراض على بضعة سطور في رواية (زائرات الخميس) للزميلة بدرية البشر، وحاولوا إيهام الناس بأن الرواية إباحية، في محاولة مكشوفة للإضرار بالكاتبة، لأسباب تتعلق بصراع التيارات، فلم يكن من وزارة الثقافة والإعلام إلا منع توزيع الكتاب بعد ساعات من إطلاق الهاشتاق في تويتر، ولكم أن تتخيلوا مرارة الواقع حين تجدوا أن الوزارة لم تثق بقرار موظفيها المختصين الذين فسحوا الكتاب بعد قراءته، واستجابت لصراخ مغردين لم يقرأوا الكتاب أصلا، ولا أبالغ لو قلت إن الوزارة لو طبقت ذات المعايير على بقية الكتب والروايات لما بقي في المكتبات سوى كتب الطبخ وتنسيق الزهور، وقد فعلت الوزارة ذلك من مبدأ (أرح رأسك من الهاشتاق ولن تخسر شيئا)، فهي غير مشغولة بكون مثل القرارات المتعجلة التي تخنق الحركة الأدبية، ولا يعنيها كثيرا أن مثل هذا القرار يمكن أن يسيء بشكل أو بآخر لمثقفة بارزة تستحق التقدير لا التشهير، وكلنا نعلم أن الوزارة ذاتها لم تستجب يوما لعشرات (الهاشتاقات) التي أطلقها بعض المتعاقدين السعوديين مع الوزارة، مطالبين بحقوقهم الوظيفية.. فالاستجابة هنا على قدر الثمن والمنع بالمجان !. وكي لا يتم إخراج هذه المقالة من سياقها مرة أخرى، أقول بأني أفرح باستجابة الجهات الحكومية المختلفة لأي مطالبة عادلة في تويتر، بشرط أن يكون ذلك وفقا للأنظمة والقوانين.. أما مثل هذا التعامل المرتبك مع كل هاشتاق، فإنه سوف يخلق مع تكرار الحالات نوعا جديدا من التهديدات ملخصه: (تبي تعقل والا أهشتقك وأورطك مع الحكومة ؟!).