أثناء إطلاقه مدينة «نيوم» العملاقة، أشار سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان أن بقية المناطق الأخرى سوف تنال نصيبها من التنمية الاقتصادية، وفي اعتقادي أن ما تفضل به الأمير لم يعد مطلباً اقتصاديا أو تنموياً فحسب، وإنما ديمغرافي وحقوقي أيضا، خلاف أن معظم الدول التي حققت إنجازات اقتصادية هي دول «مناطقية» إذا صح التعبير، بمعنى أنها منحت المقاطعات والولايات سلطات إدارية واقتصادية لترتيب شؤونها الداخلية وتفعيل ميزتها النسبية الكامنة مثل أمريكا وكندا وماليزيا وأستراليا والإمارات وغيرها ولحقت بها دول مثل الصين والهند وروسيا، فيما تفرغت هذه الحكومات للتخطيط الاقتصادي المركزي. في المملكة لكل منطقة ميزة نسبية تختلف عن الأخرى، ومتى ما أعطيت مساحة إدارية واقتصادية كافية تتقاطع فيها مع النظام الاقتصادي والإداري المركزي للدولة فإنها ستشكل قطاعاً رديفاً لاقتصادنا المركزي، الذي يعتمد على تحقيق الموارد بطريقة رأسية في حين أنه يهمّش البعد الأفقي للتنمية الاقتصادية. في منطقة حائل مثلا، قال لي أحد المسؤولين الكبار إن الطيران المدني يحقق 200 مليون ريال سنوياً جراء تشغيل رادار المطار أمام حركة الملاحة الجوية (الدولية)، لأن هذا الممر الحيوي من أكثر ممرات الملاحة الجوية ازدحاماً في العالم أجمع، بحكم حركة النقل الجوي بين الشرق والغرب، وعليك أن تتخيل لو أقيم مطار دولي لحركة الترانزيت والتزود بالوقود للاستفادة من هذه الميزة الحصرية، كم سيكون له من تأثير هائل على حركة التجارة في المنطقة ومردود اقتصادي يرفد اقتصاد المملكة ككل، خصوصاً وأنه لن يكلف الدولة هللة واحدة لو أقيم عن طريق BOT، بل سوف يدر عليها دخلاً من المستثمر يغطي مصروفات المطار الحالية، مع إضافة دخل ثابت للدولة إذا علمنا بأن الدراسات أثبتت جدوى إقامة مطار تجاري، وهذا ما دعا المطور (الثاني) لمدينة حائل الاقتصادية لمحاولة الحصول على ترخيص لإقامة مطار تجاري للبضائع في المدينة، لتكون المنطقة مركزا للاستيراد والتغليف وإعادة التصدير بحكم أنها لا تبعد بأكثر من ساعتين عن خمس عواصم عربية (بعضها لا يتجاوز 1:30 ساعة) لكنه للأسف لم ينجح مسعاه رغم عمل المخططات اللازمة وتقديمها للطيران المدني، ولذلك انسحب من المدينة وذهب سرّه مع أسرار المدينة الاقتصادية. اليوم ومع هذه الحقبة الاقتصادية الجديدة وتطوير مصادر الدخل الوطني الذي جاءت به رؤيه 2030، فإن الأمل يحدونا بالأمير محمد لتأخذ كل المناطق الأخرى نصيبها من هذه التنمية الاقتصادية، وهذا ما بشر به الرجل الذي يقول ويفعل، لعل سموه الكريم يعيد لمناطق الأطراف بعضا من مفاتيح الاقتصاد المحلي التي تملكها والتي حشرت في ثلاث أو أربع مناطق تعاني جراء ذلك من الازدحام والضغط على الخدمات، فيما تعاني بقية المناطق من الفراغ السكاني (النسبي) وغياب التنمية الاقتصادية. [email protected]