لم يفاجئني أي مما قاله الأمير محمد بن سلمان في حديثه لتوماس فريدمان، فقد سمعته من الأمير في لقاء ضم عددا من كتاب الرأي عند تقديم الرؤية، ولمست يومها مستوى عاليا من الطموح والأمل الذي يحدو الأمير الشاب لتحقيقه من إصلاحات وإنجازات، بل إنه عندما ناقشناه في مسألة مكافحة الفساد أينما كان ومحاسبة المفسدين أيا كانوا كركيزة أساسية لأي إصلاح كان جوابه أنكم ستفاجأون بالأسماء التي ستتم مساءلتها ! وبالفعل لم يُخيب الظن، وكان عند الوعد، ففي الوقت الذي كنا نجالسه في تلك الليلة، كانت التحريات تجري بالفعل لبناء قضايا الفساد ضد الفاسدين، وكان مشروعه الذي ظننا أنه حلم، واقعا يتحقق في نفس اللحظة، فقطار الإصلاح كان قد انطلق منذ اللحظة الأولى لتولي الملك سلمان سدة الحكم ! لكن ما لفت انتباهي في الحديث المنشور بصحيفة النيويورك تايمز وتوقفت عنده طويلا هو قول الأمير إنه يخشى أن يموت قبل أن يحقق ما يحلم به لوطنه، وهذه العبارة مؤلمة وصادمة، فبقدر ما تعبر عن تكريس الأمير نفسه لهدف محدد في خدمة وطنه، بقدر ما علق جرسا ينبه لأهمية أن يبنى الإصلاح على أسس المؤسسات لا الأشخاص، فيكتسب الإصلاح ديمومته من العمل المؤسسي المستند للأنظمة والقوانين لا الأفراد والأهواء الشخصية، وبناء مثل هذا العمل المؤسسي يتطلب وعيا مجتمعيا حتى يتم تحصين المؤسسات من عبث الأفراد مهما تعاقبت أجيالهم، ويصبح القانون الناظم الوحيد للتعاملات والمعاملات بين الدولة والمجتمع ! وإذا كانت بعض الدول الديمقراطية العريقة قد نجحت في تحصين هذه العلاقة وجعل ثقافة المجتمع الواعي بالحقوق والواجبات والمسؤوليات من خلال مؤسساته الضمانة الفعلية، فإن من أهم خطوات الإصلاح التي ستجعل حلم الأمير محمد بن سلمان يكتسب الديمومة هو البدء ببناء الإنسان الواعي بدولة المؤسسات والقانون، فإذا كان حلم الأمير أن يبني جيلا من الشباب المؤهل علميا ومعرفيا القادر على مواجهة تحديات المستقبل، فإن بناء الوعي بالعمل المؤسسي وسيادة القانون هو الضمانة الفعلية لبناء دولة عصرية تستمد الحياة من مؤسساتها وتسند في حمايتها إلى إنسانها ! K_Alsuliman@ [email protected]