هي ليست جسوراً أو شوارع أو معابر أو ساحات سُمِّيتْ باسمه، بل أكثر من ذلك المعنى بكثير، هي فزْعَة إنسانية عروبية، لتضمد جراح شعب جار وعزيزين أشقاء، وتساعدهم على العبور من محنتهم التي طالت نحو الخلاص، فزْعَة من قائد شهم وطني قومي شجاع، سيخلد التاريخ مواقفه المشرفة، هو خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، الذي يمد جسورا للأمل وإعادة اللحمة العربية التي يحاول الكثيرون النيل منها. كل يوم يمر يؤكد أنه قائد عروبي يحمل حساً قومياً ووطنياً أصيلاً، من خلال الكثير من المواقف المشرفة في مد جسور التواصل والتعاون إلى محيطه العربي، ومن خلال وعيه وقراءته للواقع الخليجي والعربي والإقليمي والعالمي على حد سواء وبشكل متداخل ومتزامن فرضته ولا تزال الظروف والمتغيرات المحيطة، وضرورة التعاطي معها ومع ما خلفته وما تزال تخلقه من تطورات، وإمكانية التعاطي معها بروية وحكمة ورؤية موضوعية تتسق مع الواقع على الأرض، وقد أثبت قدرة كبيرة في التعامل مع الأحداث، بل وأصبحت المملكة من خلال رؤيته وحكمته رقما صعبا وعنصرا فاعلا في المعادلة في الكثير من الملفات الساخنة من حولنا وفي مقدمتها مكافحة الإرهاب بكل أشكاله تمويلا وتنظيما ورعاية ومنظمات. والملك سلمان ليس ببعيد عن هذا الدور التاريخي، فهو رجل دولة من الطراز الأول اكتسب خبرته من خلال تواجده الفاعل وعبر عقود في مركز القرار السعودي والعربي والدولي، وتراكمت لديه خبرات كثيرة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، بلورت لديه رؤية موضوعية كبيرة ومتنوعة، يسعى جاهدا وبإخلاص تنفيذها على أرض الواقع لما فيه خير بلده وأمته. إن سياسة مد الجسور التي يتبناها مع الشعب العراقي وقياداته، هدفها وبالدرجة الأولى هو مساعدة الشعب العراقي والتخفيف من معاناته والتي تعود لعقود طويلة مضت، من خلال المشاريع الاقتصادية التي تتبناها مجالات التعاون، ولكي تكون مدخلا لإعادة العلاقات إلى مسارها الطبيعي، المملكة لم تبتعد يوما عن الجوار العراقي والذي يمثل امتدادها وعمقها الطبيعي، رغم القطيعة التي فرضتها سياسات الأنظمة في العقود الماضية ومنذ بداية التسعينات، واليوم تعيد المملكة وصل ما انقطع وتمد جسورا عدة تهدف لإرجاع العراق وشعبه إلى حضنه العربي الحقيقي والأصيل. لطالما طالب العديد من الوطنيين والشرفاء والمخلصين ومن مختلف أطياف الشعب العراقي بعودة العلاقات إلى طبيعتها مع المملكة وعدم ترك العراق ومقدراته وشعبه للهيمنة والتمدد والذي يمثل سياسة حكام طهران، وأن لا يُترك وحيدا أمام جبروته وقوة بطشه والتي تركت آثارا مأساوية تعاني منها كل مكونات الشعب العراقي دونما استثناء، المملكة جادة وواعية للدور المطلوب، والذي يقطع الطريق على دعاوى الكراهية والتي تخدم أهواء ومصالح إقليمية متمددة. يتلاقى هذا التوجه مع رغبة الإدارة الأمريكية ووزير خارجيتها ومن خلال تأييدها وحضورها للقاء التنسيقي الثاني والذي جرى أخيرا في الرياض والذي حضره رئيس الوزراء العراقي والعاهل السعودي وبحضور وزير الخارجية الأمريكي، والذي يهدف إلى ترسيخ الاستقرار السياسي في المنطقة، وقيام دولة مدنية يتساوى فيها المواطنون على أساس المواطنة وليس على أساس الدين والمذهب والقومية، من خلال إرادة حقيقية مشتركة، لوقف تمدد المشروع الإيراني والذي أحرق الأخضر واليابس على طول اندفاع ذلك التمدد خلال السنوات الماضية. الرغبة الأمريكية الجديدة في حصار الإرهاب بكل أشكاله ومحاربته لأجل تحجيمه والتي كانت بدايتها القضاء على تنظيم داعش والحركات الإرهابية الموالية له، تتعدى إلى مفهوم أكثر شمولية لينسحب على قوى أكثر تطرفا وهمجية، بما فيها الحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني وفروعه في العراق واليمن وسورية، إن السياسة الجديدة في التعاطي مع الإرهاب تمثل البعد والمفهوم الحقيقي لأجل مكافحته دونما تمييز، فالإرهاب واحد مهما تعددت أشكاله ومسمياته. استعادة العراق لدوره العربي تحكمها وجود رغبة عراقية حقيقية في التواصل والتعاطي بإيجابية وتفاعل مع المشروع السعودي ودعوات خادم الحرمين الشريفين المخلصة والمتصلة، والتي تتصل وتتلاقى مع رغبة إماراتية جادة ومخلصة وعلى نفس الطريق، ومدى ما ستلاقيه من صدى لدى صانع القرار السياسي في العراق، وهو أمر تواجهه الكثير من العقبات في ظل هيمنة وارتهان لهذا القرار لصالح قوى إقليمية تشكل تيارا قويا ضد هذا التقارب وضد أي محاولة لاسترجاع عروبته، وهي ستكون المقاومة الحقيقية التي يواجهها منذ 2003، على العراق شعبا وقيادة أن يقرر بنفسه دون غيره رغبته الجادة لهذه الدعوات المخلصة للعودة به إلى محيطه العربي، وهو تحد كبير وصعب، سوف يرسم ملامح طريق العودة. * كاتب عراقي [email protected]