سبعة أشهر ونيف مضت على اعتماد مجلس الوزراء الترتيبات التنظيمية للهيئة العامة للثقافة المكونة من إحدى عشرة مادة، ومازال المثقفون والفنانون والمبدعون بكافة أطيافهم ينتظرون تشكيل الهيئة وتفعليها بشكل رسمي من قبل وزير الثقافة والإعلام. بيد أن فرحهم بقرب ميلاد الهيئة تبدد ليتحول إلى خوف ممزوج بالقلق من أن يتم وأد المشروع بالبيروقراطية القاتلة التي عانوا منها طيلة العقود السبعة الماضية. فقد عاش المثقفون خلال السنوات الماضية على أمل أن يكون لهم بيتهم الخاص المستقل من الجهات مزودجة الهوية والعمل بعد أن كانت المؤسسات الثقافية تحت ذراع الرئاسة العامة لرعاية الشباب التي كانت تولي اهتماما أكبر بالرياضة، لتنتقل بعدها إلى وزارة الإعلام ليعاني المثقفون ومؤسساتهم من بعض التهميش. وانفرجت أساريرهم أخيرا قبل عام ونصف تقريبا وتحديد بتاريخ 30/7/ 1437ه بصدور الأمر الملكي بإنشاء هيئة عامة للثقافة، على أن يكون لها مجلس إدارة يرأسه وزير الثقافة والإعلام. ولم تكن خطوات الدولة متباطئة حيال هذه الهيئة خصوصا أنها من صميم رؤية 2030 بعد أن اعتمدت ترتيباتها التنظيمية ولوائحها في أقل من عام، لترمي الكرة في ملعب وزارة الثقافة والإعلام لاعتمادها بكشل رسمي وبدء عملها. ليعود الاحباط يسيطر عليهم من جديد بعد تأخر الوزارة في تشكيلها، ويبدأ يتبدد في نفوسهم حلم البيت الثقافي المستقل ماليا وإداريا، والتخلص من بيروقراطية المؤسسات الثقافية إلى مرونة أكبر تعطي المثقف والفنان مساحات أكبر وأرحب للإبداع. «عكاظ» فتحت ملف الهيئة المتعثرة متسائلة عن أسباب تعثرها، وإلى أين وصلت، وما هي آراء المثقفين ورؤساء جمعيات الثقافة والفنون، ورؤساء الأندية حيال تأخرها، وخرجت بمطالبهم من الوزير في سياق التحقيق التالي: المثقفون بإحباط: البيروقراطية خنقتنا يعيش المثقفون حالة من التململ الممزوجة بالإحباط بعد وأد حلمهم بميلاد هيئة عامة للثقافة في أسرع وقت بعيدا عن البيروقراطية، خصوصا بعد اعتماد لوائحها من مجلس الوزارء قبل ستة أشهر دون أن يجدوا حراكا من قبل وزارة الثقافة والإعلام. وهو ما عبر عنه القاص والكاتب فراس عالم، إذ أشار إلى أن الثقافة والعمل الرسمي لا يتفقان، معيدا هذه الرؤية لخبرته في عمل الأندية الأدبية الغارقة في البيروقراطية. وشدد عالم على أن الثقافة إبداع يجب أن يخضع للتأطير والبيروقراطية التي تقتله، مؤكدا أن تأخر تفعيل هيئة الثقافة أمر غير مبشر بالتعاطي مع الشأن الثقافي، والشواهد حافلة بالتجارب غير المشجعة نحو تخلص الثقافة والمثقفين ومؤسساتهم من البيروقراطية. ولم تبعد رؤية الدكتورة هيفاء الجهني عن سابقها، إذ رأت أن الثقافة لا تحظى بالدعم والاهتمام في الفترة الأخيرة، مضيفة: «كتبنا وتحدثنا كثيرا عن ضرورة الاهتمام بالثقافة وسرعة إنشاء الهيئة لتخليص المقفين من أغلال البيروقراطية لكن أصواتنا ذهبت أدراج الرياح ولا حياة لمن ننادي». ودللت الجهني على حديثها بعدم تقدير المشاركين في مؤتمر الأدباء الخامس، من خلال تجاهل تكريمهم سواء على المستوى المادي أو المعنوي. بيد أن عضو مجلس الشورى السابق الدكتور محمد آل زلفة كان أكثر إيجابية في نظرته لتشكيل هيئة الثقافة، رغم اتفاقه مع بقية المثقفين بأن الوزارة تأخرت كثيرا بعد أن تعاقب على الوزارة في آخر عام وزيران. وشدد آل زلفة على أن موافقة مجلس الوزراء على الترتيبات التنظيمة النهائية للهيئة تعتبر خطوة مبشرة بعد أن طالب شخصيا في أكثر من مرة بفصل الثقافة عن وزارة الإعلام. وأكد آل زلفة أن الثقافة ظلمت بعد أن كانت تحت مظلة الرئاسة العامة لرعاية الشباب سابقا، ثم انفصلت لتنضم لوزارة الإعلام، لتبقى المؤسسات الثقافية عموما والمثقفون خصوصا تحت جناح جهات أخرى لديها أعباء ولم تتفرغ بشكل كامل لدعم الثقافة، ما جعل العمل الثقافي هامشيا طوال الفترة الماضية. وأشار إلى أن المثقفين يمثلون قيمة مهمة في أي مجتمع فهم رأس الحربة في مواجهة الأفكار المشتددة والمنحرفة، كما أن الشعوب تعرف وتباهي بمثقفيها ومبدعيها، مبديا استغرابه من عدم الإسراع في تشكيل الهيئة وإطلاقها بشكل رسمي. وقال عضو مجلس الشورى السابق: «المعول والأمل هو الإسراع بتشكيل هيئة الثقافة وإخراجها للنور، فقد طال الأمد والزمن يمر بنا والبلد تمر بمرحلة تنموية دون أن تواكب العمل الثقافي مسيرة التنمية السريعة». وأضاف آل زلفة مخاطبا الوزير بقوله: «أدعو وزير الثقافة والإعلام الدكتور عواد العواد، وهو الذي كان سفيرا سابقا ويدرك قيمة الثقافة ومدى تاثيرها، أن يولي الثقافة اهتماما أكبر وأن يختار من المثقفين خليطاً من الخبرات والشباب في تشكيل الهيئة، فالمثققون منتظرون هيئة تكون أشبه ببيت لهم على غرار هيئة الترفيه». جمعيات الثقافة والفنون: تأخرت.. نريد حاضنة في الوقت الذي تنتظر جمعيات الثقافة والفنون بالمملكة، مظلة تحتضنهم وتنمي أنشطتهم وتزيد دعمهم، مستبشرين بأن تكون الهيئة العامة للثقافة طوق النجاة، صدموا بتأخر الإعلان عن هيكلتها رسميا وبدء عملها، والجهات التي تشرف عليها. ويؤكد مدير جمعية الثقافة والفنون بالأحساء علي الغوينم أنهم كمديري جمعيات استبشروا خيرا بأن تكون هيئة الثقافة مظلة شرعية لكل الفعاليات الثقافية سواء أندية أو جمعيات أو فرقا مسرحية. واستدرك: «لكن لا أرى تبريرا لتأخيرها، فنحن بحاجة ماسة حتى نستطيع العمل بشكل أكثر تنظيما، والحراك أكبر من خلال أن ينحصر خطابنا لجهة مهتمة بأمور المثقفين والفنانين وأعمالهم وببرامجهم ودعمهم في مشاركاتهم الداخلية والخارجية». وعن الآثار السلبية للتأخر في إقرار الهيئة قال الغوينم: «التوقف قد يصيبنا بالخمول والإحباط للمثقف»، مضيفا: «نحن نأمل خيرا أن يعجل الوزير بتفعيل الهيئة حتى ينتظم العمل الثقافي ويكون مرجعية رسمية للمثقفين والمبدعين والفنانيين». واتفق مدير جمعية الثقافة والفنون بالباحة علي البيضاني مع حديث الغوينم، مشددا على أن تشكيل الهيئة تأخر كثيرا، في ظل الحراك التنموي الذي يشهده البلد. ولاحظ البيضاني أن تأخر وزارة الثقافة والإعلام في إقرار الهيئة الثقافة أسهم في قيام هيئة الترفيه بعمل كان من المفترض أن تشرف عليه هيئة الثقافة وجمعيات الثقافة والفنون. وطالب البيضاني بالإسراع بتشكيل الهيئة مع وضع فروع لها في جميع أنحاء المملكة لتكون أشبه بفروع وزارة الإعلام في المناطق، داعيا في الوقت نفسه لأن يكون هناك تكامل في عمل هيئة الثقافة مع الترفيه، مشددا على أهمية أن يكون العمل منظما ومؤسسيا. واستشهد بما يحدث في الوقت الحالي من توجه هيئة الترفيه للتعاقد مع شركات بالباطن على مستوى عمل المسرحيات والأمسيات الغنائية والإنشادية، متجاهلين خبرات الجمعية المتكونة خلال (40) عاما، برغم أن الجميعات هي من تمثل إمارات المناطق في الجنادرية، ومن تشرف على مهرجانات الربيع، والفعاليات الصيفية وتنظيم العروض المسرحية والشعبية. ولم يخفِ البيضاني تفاؤله باعتماد الهيئة، مرجعا تأخر تشكيلها إلى تغير الوزير وانشغاله خلال الفترة الماضية، متمنيا أن يلتفت خلال الفترة المقبلة للهيئة ويختار لها نخبة من المثقفين والمبدعين من مختلف المناطق والفئات العمرية والتخصصات الفنية والثقافية. بدوره يتطلع مدير جمعية الثقافة والفنون بالجوف الدكتور نواف ذويبان الخالدي لتشكيل هيئة الثقافة لتقوم بواجباتها تجاه المثقفين في هذا الوطن العظيم. وشدد على أن المؤسسات الثقافية الموجودة الآن تقوم بالكثير، إلا أنها هي نفسها بحاجة ماسة إلى دعم الهيئة عند قيامها لخلق حراك ثقافي واسع يصب في خدمة المجتمع والناس. رؤساء الأندية الأدبية بين الامتناع والتذمر والتبرير للتأخير لم يقف رؤساء الأندية الأدبية على مسافة واحدة في موقفهم من تأخر تشكيل هيئة الثقافة، رغم أنهم متضررون من تأخرها، إذ فضل فئة منهم الصمت، متذمرين من التأخر، فيما ماطل آخرون عندما توجهت «عكاظ» بالسؤال حول رأيهم في تأخير إطلاقها. بينما لم تمانع فئة ثالثة الحديث بأريحية، فرئيس أدبي جدة الدكتور عبدالله السلمي قال: «لا شك أن وجود الهيئة لحظة تاريخية إيجابية في تاريخ المؤسسات والعمل الثقافي بالمملكة». وأضاف: «هناك آمال عريضة علقت عليها ومازالت باقية بأن تكون حاضنة الثقافة والمثقفين ومؤسساتهم». واختلق السلمي العذر للوزارة بتأخرها عن إطلاق الهيئة بقوله: «أتصور أن عملية التأخير مردها إلى قراءة الواقع الثقافي وتقديم مشاريع رائدة بحيث تأتي الهيئة بالصورة التي يتطلع لها المثقفون وتحقق تطلعات القيادة من مشروعية وجودها». وتوقع رئيس أدبي جدة قرب إطلاق الهيئة، مشددا على أن ستة أشهر في عمر الهيئات والمؤسسات ليست بكثيرة، إذا خرجت لنا الهيئة بهيكلية إيجابية وتصور ورؤى فعالة. وخشي السلمي أن يكون الاستعجال بإطلاق الهيئة سببا في خروجها للعمل دون أن تقرأ الواقع، ما ينعكس على أدائها ويظهر بشكل هش وهو ما لا نتمناه. ولم تخرج رؤية رئيس نادي الأحساء الأدبي الدكتور ظافر الشهري عن السلمي في تبرير تأخر تشكيل الهيئة، مثنيا على خطوات الوزير الدكتور عواد العواد في الآونة الأخيرة. وقال الشهري: «نعذر الوزير لأنه جاء في ظروف صعبة، خصوصا على المستوى السياسي وحراك الدولة التي تتطلب من الوزير الانشغال الدائم»، متمنيا أن يتم الإسراع في تشكيلها بأقرب وقت ممكن، لأن الثقافة بحاجة لالتفاتة واهتمام ودعم لمواكبة الحراك الحاصل في الدولة. الوزارة.. «على الصامت» يبدو أن أوراق هيئة الثقافة ضاعت في زحمة عمل وزارة الثقافة والإعلام، التي لم تستجب لاتصالات «عكاظ» حيال سبب تأخير إطلاقها، وماذا حل بها بعد اعتماد هيكلتها من قبل مجلس الوزراء قبل عام؟ لتبقى الأسئلة حائرة عن الهيئة ومصيرها. والمفارقة أن موقع «ويكيبيديا» وضع أيقونة خاصة بالهيئة العامة للثقافة، وتاريخ الأمر الملكي القاضي بإنشائها، دون أن يكون لها وجود بالواقع. وكان وزير الثقافة والإعلام السابق الدكتور عادل الطريفي قد كتب فور صدور الأمر الملكي بتشكيل الهيئة تغريدات عبر حسابه بموقع التواصل الاجتماعي «تويتر» شكر فيها القيادة على إنشائها، مشددا على أنها تعتبر خطوة لفعل حضاري متكامل، يستمد قوته من رؤية السعودية 2030.