جرى يوم الأحد قبل الماضي استفتاء في كردستان العراق على الاستقلال من العراق، صوت لصالحه أكثر من 92% من السكان في الأقاليم التي أجري فيها الاستفتاء، بعضها متنازع عليها مع بغداد.. والبعض الآخر ترفض جهات أجنبية إلحاقها بالإقليم، أو بدولة كردستان المُحتملة. سرعان ما توالت ردود أفعال قوية رافضة للاستفتاء، وما قد يترتب عليه، من الداخل والخارج. الحكومة العراقية في بغداد رفضت الاستفتاء وما قد يترتب عليه.. وباشرت بإجراءات، ولو على مستوى المواقف السياسية، لتأكيد سيادتها على الإقليم.. ومطالبة حكومة الإقليم بتمكين الحكومة المركزية من فرض سيادتها على معابر الإقليم الحدودية.. وموانئه الجوية، وموارده الطبيعية... وأمهلت حكومة الإقليم ثلاثة أيام للانصياع لذلك، وإلا....!؟ في حقيقة الأمر لا تملك حكومة بغداد، لا الموارد وربما أيضاً تفتقر إلى الإرادة السياسية الناجزة والحازمة لتفعيل تهديدها بإلغاء الاستفتاء وتجاوز تداعياته، كما فعلت حكومة مدريد مع استفتاء إقليم كتالونيا، يوم الاثنين الماضي، حيث تدخلت بالقوة لعرقلة الاستفتاء.. وفرض سلطتها على الإقليم.. وكانت قبل ذلك أقدمت على إجراءات صارمة ضد زعامات الإقليم من الانفصاليين. إلا أن المتغير الأهم في قضية استفتاء إقليم كردستان العراق، ليس العامل المحلي.. ولا حتى المتغير القومي، الخاص بالنظام العربي الرسمي... بل المتغير الإقليمي، الذي يرى في الاستفتاء، وما قد يترتب عليه من قيام دولة كردية في المنطقة، آثارا سلبية على دول الجوار غير العربية (تركياوإيران)، التي تعاني من مسألة كردية مزمنة. في إيرانوتركيا أقاليم شاسعة يقطنها أكراد.. أو يشكلون فيها أغلبية، يمكن في حالة نجاح الاستفتاء في إقامة دولة كردية شمال العراق، أن يتكرر نفس السيناريو في تركياوإيران، مع احتمال توسع الدولة الكردية الوليدة غرباً، شمال شرق سورية.. لتصبح دولة الكرد الكبرى عامل عدم استقرار مقلقا في الإقليم. إيرانوتركيا بادرتا بغلق حدودهما مع إقليم كردستان العراق.. وتركيا أقدمت على غلق أنبوب النفط الذي يحمل نفط كركوك، إلى أسواقه في أوروبا عبر المتوسط... الأمر الذي يعني إحكاماً يشبه الحصار الدولي على الإقليم يعوق تواصله التجاري والاقتصادي مع العالم، مما يقود إلى أزمة مالية خانقة للإقليم، تجعل قيام دولة كردية مستحيلاً. كما أن الأمر قد لا يتوقف عند المقاطعة الاقتصادية وحتى الحصار الاقتصادي للإقليم، إيرانوتركيا لا تستبعدان الحل العسكري. تركيا، بالذات: أقدمت على إجراء تحركات ومناورات عسكرية على حدودها مع الإقليم، حتى أنها اشتبكت مع قوات «البشمركة» في بعض النقاط الحدودية. تركيا، أيضاً: لم تتردد في إبداء معارضتها للاستفتاء وما قد يترتب عنه، بأقسى عبارات بل وإجراءات الرفض، معتبرة أن المسألة قضية أمن قومي لأنقرة بامتياز. منذ البداية كانت تركيا ترفض ضم مدينة كركوك للإقليم، ليس بسبب وجود أقليلة تركمانية في المدينة، بقدر ما يعني ضم المدينة الغنية بالنفط لإقليم، احتمال تفاقم المسألة الكردية المزمنة شرق تركيا. الخطورة في استفتاء كردستان العراق على الاستقلال من بغداد، يكمن في تأثير حركيّة ما يعرف بدحرجة قطع «الدومينو» المتراصة طولياً، إذا ما وقعت إحداها، تتساقط بقية القطع تباعاً. بالنسبة للدول، التي بها أقليات كردية، مثل: تركياوإيران، فإن عدوى الانفصال ستنال من وحدة وسلامة أراضي الدولتين. لذا فإن ما تبديه أنقرة وطهران من تأييد لحكومة بغداد في إجراءاتها لمقاومة الاستفتاء.. وإجهاضها لاحتمالات توابعه الانفصالية، ليس غيرةً على وحدة العراق وسلامة أراضي العراق، بقدر ما هو أمر ضروري وحيوي وإستراتيجي لمستقبل الدولة القومية، في كلٍ من تركياوإيران. هذا الدعم السياسي لبغداد في أزمتها مع أربيل، من قبل أنقرة وطهران، يغطي العجز الظاهر لحكومة بغداد في التعامل مع المشكلة بإمكاناتها الذاتية، كما فعلت مدريد مع برشلونة، مما يضطر الحكومة العراقية للمساومة على سيادتها في التعامل مع المشكلة مع قوى إقليمية، في مواجهة المسألة الكردية المشتركة. في النهاية: تبقى الدول الثلاث جارة، إلا أنها تاريخياً يسود علاقاتها مع بعضها البعض التوتر، من آن لآخر، لدرجة ما يتصعد هذا التوتر بينها إلى الحرب، مثل تلك التي نشبت بين العراقوإيران (1980 - 1988). الملفت في أزمة استفتاء كردستان العراق: غياب الموقف العربي الموحد. بدلاً من أن يجتمع وزراء الخارجية العرب.. أو حتى مجلس الجامعة على مستوى المندوبين، لرفض الاستفتاء والتأكيد على وحدة وسلامة العراق، يخرج أمين عام الجامعة ليعبر عن أسفه، لا نعرف هنا هل هو يعبر عن أسفه الشخصي.. أم أسف الجامعة العربية لإجراء الاستفتاء!؟ والأنكى: أنه يدعو الطرفين (أربيل وبغداد)، لتسوية الخلاف عن طريق الحوار، ولم يحدد هنا عن أي حوار يتحدث، بعد الاستفتاء وإقراره.. أم بعد إلغائه. على أي حال: ليس من المحتمل أن يحقق الاستفتاء الغرض من إجرائه. تحديات مواجهته إقليمياً ودولياً، تفوق إمكانات حكومة أربيل على تحقيق الغرض منه. وتبقى دولة الكرد حلماً، لحين أن يحدث توافق داخلي مع حكومة بغداد على استقلال الإقليم.. في إطار تسوية إقليمية شاملة، للمسألة الكردية. [email protected]