تولى الملك سلمان حكم المملكة العربية السعودية العام 1436ه، بعد مضي 117 سنة على دخول الملك عبد العزيز الرياض عام 1319ه، وعلى إثر ستة ملوك هم الملك عبد العزيز وأبناؤه من بعده سعود وفيصل وخالد وفهد وعبدالله، مثلوا الحكام المؤسسين للدولة السعودية الثالثة. وجد الملك سلمان بلاده وهي في منعطف خطير وخضم معركة وجود، كاد يطبق الأعداء على فضائها، ويهدون جدرانها، ويحتلون شوارعها، ويختطفون شعبها. الحوثيون جنوبا شكلوا مخلبا إيرانيا مشابها لحزب حسن نصر الله، والقطريونوالإيرانيون شرقا وداعش وحزب الله ونظام الأسد شمالاً، وقواعد عسكرية إيرانية في البحر الأحمر، وجزر محتلة لتدريب الميليشيات وتخزين السلاح ومنصات لتهريب المخدرات والإرهاب لداخل المملكة، وحليف مصري لا يزال يتعافى من جراح الانقلاب الإخواني، أضف إلى ذلك دولا كانت هي العمق العربي السني للرياض تهدمت وتحولت لدول فاشلة كانت تمثل عمقا عربيا سنيا هي اليمن وليبيا وتونس. مع لفت الانتباه إلى أن الولاياتالمتحدةالأمريكية تحولت في عهد الرئيس باراك أوباما من حليف إلى عدو في كثير من القضايا نتيجة لارتماء واشنطن وراء وجهة النظر الإيرانية، ودعمها لصعود جماعات التطرف. لقد اختار الملك سلمان أن يبني رؤيته للسعودية الجديدة التي ستستمر لمئة عام أخرى، إنها سياسة المواجهة مع الأخطار فلا مجال للمجاملة على حساب الوطن ومستقبله، فواجه بصرامة البيت الأبيض وألقى على مسامع أوباما العام 2015 خلال زيارته الرسمية الأولى خارج بلاده بعد توليه العرش السعودي، أن السعودية قادرة على مواجهة المصاعب بدون مساعدة ولا حلف من أحد، وهو ما قامت به بالفعل. خلال شهرين من حكم «الملك الحازم» شكلت الرياض حلفا عربيا وإسلاميا هو الأول من نوعه منذ حرب الخليج العام 1990 لمواجهة التآمر «الإيراني الحوثي» في اليمن وحماية الشرعية. أدت نتائجها قصيرة المدى لإنقاذ الشرعية واعتماد تمثيلها عند المجتمع الدولي، وخروج إيران من البحر الأحمر وغلق قواعدها العسكرية من دول شرق أفريقيا وحبس الحوثيين في مربع صعدة في موقف دفاع بعدما كادوا يتحولون إلى لاعب مؤثر في الجزيرة العربية. المخاطر الخارجية تم بالفعل تحييدها ونقل الملفات من تحت الطاولة إلى فوقها خاصة مع قطر الدولة الأكثر تآمرا وتهديدا للمملكة، وهو ما انسحب على حليفتها جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية وكل أذرعها عندما بدأت السلطات الأمنية تفكيك خلاياها التي حاولت العبث في المشهد السعودي مستغلة حلم المملكة. وفي الداخل كانت السعودية تعاني من تراجع اقتصادي خانق بسبب انخفاض أسعار النفط، وانسداد في الأفق الاجتماعي لعدم وجود بدائل وخيارات للحياة لشعب هو في معظمه من الشباب. كل هذا والملك سلمان يعلم أن مهمة جسيمة أخرى تقع على عاتقه هي نقل الحكم من جيل الملوك المؤسسين أبناء الملك عبد العزيز إلى جيل الأحفاد. أسس الملك سلمان مجلسين للشؤون الاقتصادية والأمنية، وخلال أشهر فقط استطاع المجلس الاقتصادي تطبيق رؤية واضحة تبني عليها الدولة خططها التنموية للمئة السنة القادمة. لم يعد يحتمل المخطط السياسي في رأس الهرم أن يرى بلاده رهينة للبترول ومدمنة على عوائده، لذلك قرر أن يكسر هذا الاحتكار لمادة ستنتهي ذات يوم ويبني اقتصادا حقيقيا ينوع الفرص ويعظم العوائد. أما اجتماعيا فقد وجد الملك سلمان وعضيده ولي العهد الأمير الشاب محمد بن سلمان أن المكون الشاب يمثل أكثر من 70% معظمهم تحت الثلاثين، وهي في الحقيقة ميزة وخطر. ميزتها أنه مجتمع حيوي متوثب للمستقبل، وخطره أنه يشعر بالاختناق وانسداد الأفق، فلا ترفيه حقيقيا ولا تنوع تنمويا ولا جودة للحياة، وكذلك ضعف مشاركة المرأة والقيود الاجتماعية غير الشرعية التي تحد من حركة وإمكانات المواطنين، فكان لزاما تفكيكها وإعطاء السعوديين مساحتهم من الحياة. لقد شرح الأمير محمد بن سلمان ذلك قائلا: إن السعوديين في حاجة لان يشاركوا العالم حياتهم، وأن هناك حقوقا كفلها الإسلام للمرأة لم تحصل عليها، وها هي اليوم في الطريق لأخذها. فتأسست هيئة الترفيه لتكون ذراعا حقيقية لجلب السعادة وصناعتها، وحددت مناطق في وسط وشمال المملكة لتكون مناطق جذب سياحي تسهم في الوظائف وجلب العوائد والفرح للمواطنين، كما ألغيت كثير من القيود التي تقف عائقا أمام السيدات للعمل والتنقل وأخذ حقوقهن، بما فيها تأسيس بنك لإعالة المطلقات والأرامل. الخطوة الكبرى التي كانت منتظرة منذ أكثر من 27 عاما عندما أقدمت سيدات سعوديات على قيادة سياراتهن في الرياض، أقرها الملك سلمان في قرار تاريخي مع بداية السنة الهجرية الجديدة، وبعد أيام من نجاح اليوم الوطني باحتفالاته المبهرة والعواطف الجياشة التي شهدها. إنها قفزة نحو المستقبل، لا يأخذها إلا ملك حازم عازم، وينفذها ولي عهد جسور لا يهاب في مصلحة بلاده وشعبه أي عائق ولا يلتفت لأي صعوبات، ألم يقل بيت الشعر العظيم «ما فاز باللذات إلا كل جسور». [email protected]