شرعيّة الأرض الفلسطينيّة    البنك المركزي السعودي يخفّض معدل اتفاقيات إعادة الشراء وإعادة الشراء المعاكس    «الاختبار الأصعب» في الشرق الأوسط    حديقة ثلجية    «الدبلوماسية الدولية» تقف عاجزة أمام التصعيد في لبنان    الهلال يهدي النصر نقطة    لصوص الثواني !    مهجورة سهواً.. أم حنين للماضي؟    «التعليم»: تسليم إشعارات إكمال الطلاب الراسبين بالمواد الدراسية قبل إجازة الخريف    لحظات ماتعة    محمد آل صبيح ل«عكاظ»: جمعية الثقافة ذاكرة كبرى للإبداع السعودي    فراشة القص.. وأغاني المواويل الشجية لنبتة مريم    جديّة طرح أم كسب نقاط؟    الموسيقى.. عقيدة الشعر    في شعرية المقدمات الروائية    الهايكو رحلة شعرية في ضيافة كرسي الأدب السعودي    ما سطر في صفحات الكتمان    متى تدخل الرقابة الذكية إلى مساجدنا؟    وزير الصحة يتفقد ويدشّن عدداً من المشاريع الصحية بالقصيم    فصل الشتاء.. هل يؤثّر على الساعة البيولوجية وجودة النوم؟    منجم الفيتامينات    الحرّات البركانية في المدينة.. معالم جيولوجية ولوحات طبيعية    قوائم مخصصة في WhatsApp لتنظيم المحادثات    الغرب والقرن الأفريقي    نعم السعودية لا تكون معكم.. ولا وإياكم !    أُمّي لا تُشبه إلا نفسها    كولر: فترة التوقف فرصة لشفاء المصابين    مدرب الأخضر يستبعد عبدالإله العمري ويستدعي عون السلولي    الأزرق في حضن نيمار    الناس يتحدثون عن الماضي أكثر من المستقبل    جودة خدمات ورفاهية    أنماط شراء وعادات تسوق تواكب الرقمنة    ترسيخ حضور شغف «الترفيه» عبر الابتكار والتجديد    من توثيق الذكريات إلى القصص اليومية    الاتحاد يتغلب على العروبة بثنائية في دوري روشن للمحترفين    ضبط شخصين في جدة لترويجهما (2) كيلوجرام من مادة الحشيش المخدر    المربع الجديد يستعرض آفاق الابتكار الحضري المستدام في المؤتمر العالمي للمدن الذكية    أمير القصيم يرعى حفل تدشين 52 مشروعا صحيا بالمنطقة بتكلفة بلغت 456 مليون ريال    فقيه للرعاية الصحية تحقق 195.3 مليون ريال صافي ربح في أول 9 أشهر من 2024 بنسبة نمو 49%    رحيل نيمار أزمة في الهلال    «دار وإعمار» تكشف مشاريع نوعية بقيمة 5 مليارات ريال    أمانة الشرقية: إغلاق طريق الملك فهد الرئيسي بالاتجاهين وتحويل الحركة المرورية إلى الطريق المحلي    مبادرة لتشجير مراكز إسعاف هيئة الهلال الأحمر السعودي بمحافظة حفر الباطن    نائب أمير الشرقية يطلع على جهود اللجنة اللوجستية بغرفة الشرقية    أمير الباحة يستقبل مساعد مدير الجوازات للموارد البشرية و عدد من القيادات    منتخب الطائرة يواجه تونس في ربع نهائي "عربي 23"    المريد ماذا يريد؟    أمير تبوك يبحث الموضوعات المشتركة مع السفير الإندونيسي    الدولار يقفز.. والذهب يتراجع إلى 2,683 دولاراً    رينارد يعلن قائمة الأخضر لمواجهتي أستراليا وإندونيسيا في تصفيات مونديال 2026    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني وفريق عملية زراعة القلب بالروبوت    ليل عروس الشمال    التعاطي مع الواقع    التكامل الصحي وفوضى منصات التواصل    الداخلية: انخفاض وفيات حوادث الطرق بنسبة 50%    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني    سلام مزيف    همسات في آذان بعض الأزواج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



زيارة الملك سلمان للولايات المتحدة الأمريكية وانعكاساتها على الأمن والاستقرار في المنطقة
ملف خاص من (شؤون خليجية)
نشر في أنباؤكم يوم 13 - 09 - 2015

تأتي زيارة الملك سلمان للولايات المتحدة الأمريكية في وقت تشهد فيه المنطقة تحركات غير مسبوقة، تنذر باحتمالات إبرام صفقات مشبوهة بعيدًا عن المملكة، التي غيرت من سياساتها الخارجية أكثر من مرة لتفادي عمليات إعادة الهيكلة التي تشهدها أنظمة ودول عربية، سواء من قبل الولايات المتحدة الأمريكية أو حتى حلفائها الجدد إيران وروسيا، اللتان بدأتا سياسة توافق غير ظاهره مع حلفاء المملكة القدامى، خاصة مصر والإمارات، وهو ما من شأنه أن يجعل المملكة وحيدة وسط معترك من الأزمات الداخلية والخارجية لا يقدر النظام الحالي على مواجهته، الأمر الذي دفع الملك سلمان لأن يعمد إلى جعل أول زيارة خارجية له إلى الولايات المتحدة الأمريكية، لإعادة ترتيب الأوضاع معها من جديد، وبحيث يتم تفويت الفرصة على أعداء المملكة المتربصين بها، والساعين لإسقاط النظام الحالي، لتبنيه توجهات تختلف جذريًا عن توجهات النظام السعودي السابق، ولذلك كان حرص الملك خلال لقائه بأوباما على التركيز على الشق الاقتصادي، لا لإرضاء الإدارة الأمريكية الحالية، ولكن لدفع قطاعات رجال الأعمال وأصحاب المصالح للضغط على تلك الإدارة، لعرقلة مشروع الاتفاق النووي من جهة، ولاستعادة تحالفها مع النظام السعودي من جهة أخرى، وفي الوقت نفسه وضع حلول عملية للأزمات التي تعاني منها المنطقة، وعلى رأسها الأزمتان اليمنية والسورية، واستكمال المسارات التي سبق وأن اتفق عليها، والخاصة باستبعاد بشار الأسد من المشهد السوري، والحوثيين من المشهد اليمني، باعتبار أن ذلك هو المسار الوحيد الذي يحفظ للمملكة ماء وجهها، ويساعدها في الحفاظ على أمنها واستقرارها في مواجهة العدو الإيراني، الذي عاد لسياسة اللعب من الخلف بعد أن كبدته سياساته المباشرة خسائر فادحة في الأموال والأرواح، سواء في سوريا أو العراق أو حتى اليمن.
بيئة الزيارة وأهدافها غير معلنة
تأتي زيارة الملك سلمان للولايات المتحدة الأمريكية بعد غياب دام عدة أشهر، ترك خلالها الملك ولي ولي عهده وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان، ليواجه تحديات داخلية وخارجية تكاد أن تعصف بالمملكة، ورغم ما بذله ولي ولي العهد من جهود تمثلت في زيارات اقليمية ودولية لمصر وروسيا والإمارات، إلا أنه لم ينجح في احتواء الأزمات المحدقة بالمملكة، سواء تلك المتعلقة بالأزمة السورية التي شهدت تطورات غير مسبوقة، خاصة بعد لقاء الرئيس السيسي بولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، وملك الأردن بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، واتفاقهم على تقديم دعم لوجستي لنظام الرئيس السوري بشار الأسد، وذلك دون الرجوع للمملكة العربية السعودية، التي تعتبر بشار الأسد ونظامه السياسي جزء من المشكلة التي يعاني منها الشعب السوري، وهو ما يمثل ضربة للمساعي السعودية الخاصة بوضع حد لنظام الأسد، والقضاء على امتدادات المشروع الإيراني في المنطقة، والذي يعتبر سوريا خطًا احمر لا يمكن التنازل عنها تحت أي ضغوط، لأن معني ذلك خسارة المشروع، ليس فقط لسورية وإنما كذلك للبنان، ومن ثم فتح المجال للقضاء على قوة حزب الله الذراع العسكري لإيران في المنطقة، الأمر الذي يعني العودة مرة أخرى للمربع رقم واحد، وإطالة أمد الصراع ليس فقط في سوريا، وإنما كذلك في اليمن التي باتت مقسمة بين قوات على عبدالله صالح والحوثيين من جهة، وقوات الرئيس هادي منصور والمقاومة الشعبية في الجنوب من جهة أخرى، ذلك الصراع المرجح للاستمرار في ظل الخلافات الإقليمية والدولية حول شكل الأنظمة المستقبلية في تلك الدول.
ويعني ذلك أن غياب الملك سلمان قد سمح للإمارات بمواصلة مخططاتها الخاصة بتهميش دور المملكة في المنطقة، وتكوين حلف مصري أردني بقيادتها لترتيب المنطقة وفقًا للرؤى والتصورات الإماراتية، حتى ولو كان ذلك على حساب المصالح السعودية والخليجية، التي باتت تتضرر من التدخلات الإيرانية في شؤون المنطقة.
ولذلك تهدف زيارة الملك سلمان في هذا التوقيت الحرج الذي تمر به المنطقة، إلى تحقيق عدة أمور أهمها:
أولاً: التعرف على مستقبل السياسة الأمريكية تجاه المنطقة، ومدى مساهمتها في حماية أمن واستقرار دول الخليج، خاصة بعد الاتفاق الأمريكي مع إيران بشأن برنامجها النووي، فقد عكست السياسة الأمريكية خلال الفترة الماضية حالة من التشوش أصابت المملكة بالارتباك، خاصة بعد خطواتها الفاشلة في الشرق الأوسط، بالذات فيما يتعلق بالاتفاق الإيراني النووي.
ثانياً: التأكيد على عمق العلاقات المشتركة، وعلى أن مصالح الولايات المتحدة مع المملكة أكبر من أن يتم استبدالها بعلاقاتها مع إيران، خاصة وأن السعودية كانت ولا تزال حريصة على توطيد علاقاتها بالولايات المتحدة، وأنها على استعداد لاستكمال تلك العلاقات وتطويرها، وأن التغير الذي شهدته السياسة السعودية خلال الفترة الماضية، إنما كانت تمليه التطورات الإقليمية والدولية التي شهدتها المنطقة وأثرت على استقرار الأوضاع في المملكة.
ثالثاً: توجيه رسائل غير مباشرة للإدارة الأمريكية ولأصحاب المصالح، بأن الحلف العربي الروسي الآخذ في التشكل مؤخرًا قد يؤثر على مستقبل الوجود الأمريكي في المنطقة، خاصة وأن روسيا قد لعبت دورًا كبيرًا في الإبقاء على بشار الأسد، على عكس الولايات المتحدة التي تتخلي عن شركائها واحدًا تلو الآخر، وتتحرك وفقًا لمصالحها فقط، الأمر الذي يغري البعض للبحث عن شركاء جدد.
رابعاً: القضاء على الحلف الذي تقوده الإمارات ومصر، والذي استبعدت منه المملكة، قبل أن يقوى، إذ من شأن ذلك أن يؤثر على مستقبل الدور السعودي في المنطقة، بل وقد يؤثر على النظام السعودي نفسه، خاصة وأنه يتحرك وفقًا لرؤى ومخططات مخالفة للرؤى والمخططات السعودية.
خامساً: العودة لإدارة اللعبة السياسة في سوريا، إذ سبق الزيارة إعلان المملكة الحاسم أن الأسد لا يستطيع الاستمرار في الحكم، حتى وإن كان هذا على شكل حكومة انتقالية.
سادساً: معرفة تأثير توقيع الاتفاق النووي مع إيران وما سيتبعه من رفع للعقوبات، على المكانة الإقليمية والدولية لإيران، إذ تخشى المملكة من أن يؤدي ذلك الاتفاق للسماح لإيران بلعب دور شرطي المنطقة، خوفًا من تأثير ذلك على أمن واستقرار الخليج، وفي القلب منه المملكة.
أخيرًا إرسال رسائل مباشرة لإيران وحلفائها في المنطقة، بأن المملكة مازالت تملك العديد من أوراق اللعب، وأنها قادرة على المساهمة بفعالية في عمليات إعادة الترتيب التي تشهدها المنطقة، وتوظيفها بما يخدم مستقبل النظام السعودي الحالي.
سياسة الإغراء والضغط
لقد شهدت العلاقة الأمريكية السعودية بعض التوترات خلال الفترة الأخيرة، حيث كان هناك تباين في وجهات نظر كلا البلدين حول عدد من القضايا المتعلقة بالشرق الأوسط، ولذلك كان النظام السعودي حريصًا على أن يتم حل تلك الخلافات، من خلال تقديم حزمة من المشروعات الاقتصادية تتخطى قيمتها نصف تريليون دولار، وقد اعتبر الملك سلمان أن تلك المشروعات تأتي من منطلق حرص السعودية على استقرار الاقتصاد العالمي.
كما عبر عن تطلعه لمشاركة الشركات الأمريكية العالمية بفاعلية في السوق السعودي في مختلف المجالات، بما في ذلك الاقتصادية والمالية والمصرفية والتجارية والصناعية والطاقة والتعدين والبنية التحتية، والتي من شأنها أن تعزز الشراكة الاستراتيجية ما بين المملكة والولايات المتحدة، وتنقلها إلى آفاق أشمل وأوسع.
وأوضح أن المملكة تولي الاهتمام والرعاية الكاملة للقطاع الخاص باعتباره شريكاً كاملاً في مسيرة التنمية تنظيماً وتنفيذاً، وأنه لذلك أمر وزارة التجارة والصناعة والهيئة العامة للاستثمار بدراسة كافة الأنظمة التجارية والاستثمارية، بغرض تسهيل عمل الشركات العالمية، وتقديم الحوافز بما فيها العمل المباشر في الأسواق السعودية لمن يرغب منها الاستثمار في المملكة.
وبالإضافة إلى العوائد الاقتصادية الضخمة التي عرضها الملك سالمان على رجال الأعمال الأمريكيين، حرصت المملكة على إعطاء دفعة لحكومة أوباما من خلال عرض شراء أسلحة متطورة تصل قيمتها إلى بليون دولار، بزعم مساعدتها في حرب اليمن ومواجهة داعش.
وبحسب صحيفة النيويورك تايمز، تشمل الأسلحة التي تتوقع الإدارة موافقة الكونجرس عليها خلال فترة لا تتخطى شهرًا ونصف شهر، ذخيرة دقيقة التوجيه وأنظمة أقمار اصطناعية لتحديد الموقع من طراز «بوينج»، كما تشمل صواريخ لطائرات «أف- 15».
وتعكس طبيعة تلك الصفقات رغبة سعودية في الضغط على الكونجرس الأمريكي لعدم قبول الاتفاق النووي الإيراني، باعتبار أن ذلك يضر بمصالحه الكبيرة مع المملكة العربية السعودية وحلفائها في دول الخليج، إذ من شأن ذلك أن يفقدهم ثقة الشريك الأمريكي، ويدفعهم للتقارب مع روسيا والصين المنافسين المحتملين للولايات المتحدة في المنطقة.
كما أن من شأن ذلك أن يمثل ضغطًا كبيرًا على الإدارة الأمريكية نفسها، وذلك من قبل رجال الأعمال وأصحاب المصالح الذين سيسعون للحفاظ على مصالحهم الكبيرة مع المملكة، بعد أن فتح لهم الملك الباب على مصراعيه للاستثمار في مجالات مختلفة، على رأسها مجال الطاقة.
وفي الوقت نفس، تمثل تلك الزيارة رسالة غير مباشرة لروسيا التي سبق وأن زارها ولي ولي العهد السعودي، لترتيب حلول مقبولة للأزمات التي تعاني منها المنطقة، وعلى رأسها الأزمتان اليمنية والسورية، إلا أنه وكما هو واضح ضربت روسيا بتلك الاتفاقات عرض الحائط، وعمدت إلى التنسيق مع مصر والإمارات والأردن لوضع حلول تتوافق مع مصالح تلك الدول، وبعض تلك الحلول تتناقض تمامًا مع الرؤى التي سبق وأن تبنتها المملكة لحل تلك الأزمات، خاصة الأزمة السورية.
إذ تلت زيارة الرئيس السيسي، والملك عبدالله، وولي عهد أبوظبي لروسيا خلال الفترة الماضية، تداول أخبار تفيد بقيام روسيا بإرسال خبراء وقوات وطائرات ومعدات عسكرية لدعم الرئيس السوري، وهو ما قد يؤدي في حال ثبتت صحته، إلى تغيير المعادلة في سوريا لصالح الرئيس بشار الأسد وحلفائه في المنطقة، وعلى رأسهم إيران وروسيا.
مواجهة التحديات تفرض الزيارة
بالرغم من المساعي التي قام بها ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، في غيبة أبيه، إلا أنه لم ينجح في التعامل مع التحديات المحدقة بالمملكة، سواء ما يتعلق بالأزمة اليمنية أو العراقية أو حتى السورية، وذلك على الرغم من الزيارات المكوكية التي أجراها لعواصم الدول الفاعلة في المنطقة وخارجها، والصفقات التي عقدها مع روسيا ومصر، إذ لم تسفر الفترة الماضية عن تهدئة الصراع بقدر ما عملت على زيادته، في مقابل تراجع الدور السعودي لصالح الدور الإماراتي، الذي نشط بشكل غير مسبوق ونجح في تكوين تحالف مصري روسي أردني لإعادة هيكلة المنطقة، الأمر الذي كان يستدعي التدخل الفوري للملك سلمان لإعادة الأمور إلى نصابها من جديد، من خلال زيارته للولايات المتحدة.
فالتطورات في المنطقة، بما تمثله من خطورة على الأمن والاستقرار، استدعت هذا اللقاء للوصول إلى قواسم مشتركة فيما يجري من جرائم في العراق وسوريا ولبنان واليمن، ترتبط جميعها بشكل او بآخر بإيران المسيطرة على القرار والموجودة وبقوة في العراق، مثلما هي طرف رئيس ومهم في محاربتها للشعب السوري دعماً لنظام الأسد، وهي بما لا لبس فيه من خلطت الأوراق في اليمن، ومكنت الحوثيين ليقوموا بانقلابهم على الشرعية بدعمها لهم سياسياً ومالياً وإعلامياً، وتزويدها للانقلابيين اليمنيين بالسلاح، فضلاً عن مواقفها المشبوهة في أحداث البحرين والكويت، وبالتالي فإن تطورات العلاقات (الأمريكيةالإيرانية) تمثل خطورة كبيرة على تلك الأوضاع، ومن ثم كان يتحتم على الملك سلمان، الذي يبدو أنه يتابع التطورات عن كثب، أن يتحرك لإعادة التوازن للعلاقات (الأمريكية – السعودية) من جديد.
كما تأتي تلك الزيارة كذلك بعد تواتر أخبار تفيد بممارسة الإدارة الأمريكية ضغوطًا كبيرة على الرئيس اليمني، عبدربه منصور هادي، لتجميد أي عمليات برية في اليمن، إذ ترفض الإدارة الأمريكية أي عملية برية لتحرير صنعاء من مليشيات الحوثي وقوات الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، بزعم أن الأميركيين يرون أن الخسائر البشرية في معركة تحرير صنعاء ستكون باهظة، وأنّ الحوثيين أبدوا استعدادهم لتنفيذ القرار الأممي 2216 على مراحل.
أما أخطر التحديات التي أقلقت المملكة الفترة الماضية، ودفعتها لهذا التحرك وجعلها تضخ مئات المليات من الدولارات لصالح صناع القرار في الولايات المتحدة، فتتمثل في الترتيبات الجديدة التي تمت في غيبة الملك، ودون مشاركة نجله وولي عهده في روسيا، والتي من شأنها أن تؤثر على الدور الإقليمي للمملكة، بل وعلى أمنها واستقرارها لصالح إيران والإمارات، حيث أشار الخبراء والمحللون إلى أن هناك توافقًا إماراتيًا مصريًا روسيًا على الإبقاء على الرئيس السوري بشار الأسد، ودعمه بالأسلحة والمعدات العسكرية، للاحتفاظ بمناطق نفوذه ومنع المقاومة الإسلامية من توسيع مساحة نفوذها في سوريا، وهو ما يرجح خطط التقسيم التي ترعاها الولايات المتحدة، وفي الوقت نفسه تلقى رضا الجانب الإيراني، الذي يعتبر بشار الأسد ونظامه خطًا احمر لا يمكنه التنازل عنه.
وتمثل التطورات التي شهدتها الأزمة اليمنية جرس إنذار للمملكة العربية السعودية، إذ تشير التطورات الأخيرة إلى حدوث تحول في الأزمة اليمنية لصالح جماعة الحوثي وعلي عبدالله صالح، اللذين نجحا في تفجير مستودع للذخيرة أسفر عن مقتل عشرات الإماراتيين والسعوديين، هذا بخلاف الخسائر التي تتكبدها القوات السعودية والإماراتية في أماكن أخرى، ولا يتم الإعلان عنها خوفًا من تأثير ذلك على معنويات الجنود.
فحسب الخبراء والمحللين، تحكم جماعة الحوثي وعلي عبدالله صالح السيطرة على صنعاء وضواحيها، وهذا ما يعني إطالة أمد الصراع في اليمن، ومن ثم تكبيد قوات التحالف خسائر فادحة في الأموال والأرواح، الأمر الذي يرجح في النهاية المخططات الإماراتية الساعية لتقسيم اليمن خوفًا من استغلال حزب الإصلاح اليمني لتلك التطورات، وفرض وجوده على الواقع اليمني بعد التحرير، وهو ما ترفضه الإمارات التي تبذل كل الجهود الممكنة للحيلولة بين قوى الإسلام السياسي، وبين لعب أي دور في مستقبل المنطقة، وهو ما يتعارض كذلك مع الرؤية السعودية التي تنادي بيمن موحد، باعتبار أن تقسيم اليمن يمثل خطورة كبيرة، ليس فقط على الأمن والاستقرار السعودي، وإنما على الأمن والاستقرار في منطقة الخليج بأكملها، إذ يعني ذلك في النهاية أن إيران نجحت في فرض مشروعها على الجميع، حتى وإن تم ذلك على مساحات صغيرة من الدول العربية التي تشرذمت وتقسمت إلى دويلات صغيرة متناحرة.
وإزاء هذه التطورات الخطيرة كان لابد وأن يتدخل الملك سلمان لإعادة ترتيب الأوضاع من جديد، وإن كان تحركه قد جاء متأخرًا بعض الشيء، خاصة وأن الاتفاقات السابقة قد أخذت طريقها إلى أرض الواقع، وبدأت بالفعل تؤتي ثمارها، سواء في اليمن أو سوريا.
استغلال خلافات الكونجرس والإدارة الأمريكية
يبدو أن النظام السعودي لم يعد أمامه لتفادي الأخطار المحدقة به من كل جانب، سوى اللعب على المتناقضات الأمريكية من جهة، وتعظيم المصالح بينه وبين ذوي النفوذ في الولايات المتحدة من جهة أخرى، فقد شهدت الفترة الماضية تصاعد حدة الخلافات فيما بين الكونجرس الأمريكي والإدارة الأمريكية حول الاتفاق النووي الايراني، وصلت لدرجة تهديد الرئيس أوباما باستخدام الفيتو في حال رفض الكونجرس التصويت بالموافقة على الاتفاق النووي، وقيامه بالتواصل مع بعض الأعضاء لضمان الحصول على النسبة التي تتيح له تمرير الاتفاق، باعتبار أنه يمثل من وجهة نظره مصلحة أمريكية، إذ من شأنه أن يعطل المساعي الإيرانية الخاصة بالحصول على التكنولوجيا النووية، وفي الوقت نفسه يمكنه توظيف إيران لمساعدة أمريكا في حفظ أمن واستقرار المنطقة، وهو ما تخشاه المملكة العربية السعودية، التي تعتقد أن الموافقة على الاتفاق النووي من شأنه أن يعظم من الدور الإيراني في المنطقة، ويؤثر بالسلب على الدور السعودي، لذلك سعى الملك سلمان للتأكيد على مدى الأضرار التي يمكن أن تلحق بالمصالح الأمريكية في المنطقة في حال تم الإقدام على الموافقة على ذلك الاتفاق، دون الضمان الكامل لأمن واستقرار المنطقة، مستخدمًا السلاح المالي الذي تملكه المملكة لإغراء أعضاء الكونجرس الأمريكي وأصحاب المصالح في الولايات المتحدة، بأن مصالحهم مع المملكة وليست مع النظام الإيراني.
ولذلك أكد البيت الأبيض أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما، سيتعهد لخادم الحرمين بالتزام الولايات المتحدة بالمساعدة في التصدي لأي تهديد أمني إيراني، بسبب المخاوف من أن الاتفاق النووي الإيراني قد يزيد نفوذ طهران بالمنطقة.
وأشار بن رودس مستشار أوباما للأمن القومي، إلى تفهم الإدارة الأمريكية لمخاوف السعودية بشأن ما قد تفعله إيران مع استفادة اقتصادها من رفع العقوبات.
إلا أن تلك التطمينات قد لا تؤثر كثيرًا على القلق السعودي المتزايد، بسبب إصرار الإدارة الأمريكية الحالية على المضي قدمًا في التحالف مع إيران، باعتبارها الحليف الأقدر على تنفيذ مصالحها في المنطقة الفترة المقبلة، الأمر الذي يعني أن فشل التحركات السعودية الأخيرة في تعظيم الخلاف الأمريكي، قد يكبد النظام مستقبله ليس فقط في المنطقة، وإنما حتى داخل المملكة.
إجهاض التحالف الإماراتي ضد السعودية
انتشرت في الآونة الأخيرة معلومات مهمة تؤكد وجود تحالف إماراتي مصري جديد ضد المملكة العربية السعودية، بعدما قررت الأخيرة الانفتاح على جماعة الإخوان المسلمين وحركة المقاومة الإسلامية حماس.
وفي هذا الصدد أشار الخبراء إلى أن القاهرة وأبو ظبي أبديتا للسعودية رفضهما لتقارب الرياض مع حماس، وبالطبع الإخوان عامة، سواء في مصر أو غيرها.
ورأوا أن استراتيجية المملكة الجديدة في المواجهة مع إيران تعتمد على حشد حركات الإسلام السني أمام ما تعتبره الخطر الشيعي، الذي يتوقع أن يزداد توحشًا بعد توقيع الاتفاق النووي، المصحوب بالإفراج عن أموال طهران المجمدة في العواصم الغربية، وفك العقوبات بشكل تدريجي، ما يوفر مصادر تمويل واسعة ترى الرياض أن منافستها ستستغلها في توسيع نفوذها الإقليمي بشكل كبير.
ولذلك رجحوا إلغاء زيارة العاهل السعودي الملك «سلمان بن عبد العزيز»، المقررة إلى القاهرة الشهر الجاري، بعد عودته من أمريكا، وهو ما حدث بالفعل إذ تأجلت الزيارة، وذلك إثر تسرب معلومات استخبارية عن مخطط مصري إماراتي لابتزاز السعودية، وإجبارها على التبعية الكاملة لهما، بعد أن كانت هي من يقود المشهد عقب ثورات الربيع العربي.
كما سبق وتحدثت تقارير إعلامية عن وجود خلاف بين مصر والسعودية بشأن الأزمة اليمنية، حيث يعارض النظام المصري احتمالية تكوين حكومة إصلاحية في اليمن يمثلها الإخوان المسلمين، لكن السعودية، التي أعلنت الإخوان منظمة إرهابية، تنظر مؤخرًا إلى حزب تجمع الإصلاح كقوة ينبغي الاعتماد عليها لتعزيز موقف الرئيس اليمني عبدربه هادي.
أما بالنسبة لموقف الإمارات فهي كعادتها لا يزال موقفها غامضًا ومتناقضًا، وأصبحت الإمارات ذات نفوذ قوي في اليمن، من خلال مشاركتها الفاعلة في العمل العسكري منذ بدء عاصفة الحزم في مارس الماضي.
إذ تكشف تقارير صحفية عن سعى الإمارات الجاد لتقسيم اليمن، خاصة مع تباطؤها في تحرير تعز وصنعاء، لتخوفها من عودة حزب الإصلاح "إخوان اليمن" بقوة بعد انتهاء معركة التحرير.
كما سبق وأن استضافت الإمارات عددًا من القيادات الجنوبية من الداعين لانفصال الجنوب عن الشمال، وحاولت الظهور على أنها الفاعل الوحيد في المعركة باليمن، وزعمت أنها استطاعت تحرير الرهينة البريطاني مؤخرًا، وهو ما أرادت منه القول للعالم أنها صاحبة النفوذ الأقوى في اليمن .
الأمر الذي يعني زيادة الخلاف ما بين السعودية من جهة، وما بين الإمارات ومصر من جهة أخرى، خاصة وأن السعودية عادت وأكدت خلال زيارتها لأمريكا، أن حل الأزمة في اليمن لابد أن يمر عبر تطبيق القرار الأممي 2216، الذي يؤكد على وحدة اليمن وتسليم الحوثي وصالح للأسلحة، وخروجهم من المدن والمؤسسات التي احتلوها.
كما قطعت الطريق على الحل الأمني الذي ترعاه الإمارات ومصر في ليبيا، عبر طلب المملكة تأجيل الاجتماع الخاص بتوقيع بروتوكول القوة العربية المشتركة، والذي كان مقررًا الشهر الماضي، وهو الطلب الذي وافقت عليه الجامعة العربية.
لذلك يتوقع أن تزيد حدة الأزمات والصراعات التي تشهدها المنطقة خلال الفترة المقبلة، ليس بسبب تبني الولايات المتحدة سياسة إعادة ترتيب المنطقة، ومن ثم إعادة هيكلة بعض الأنظمة السياسية فيها، وإنما لتزايد حدة الخلافات بين دول المنطقة ذاتها، ومحاولة كل دولة الدفع باتجاه تنفيذ رؤاها الخاصة بدول الثورات العربية، حتى ولو كان ذلك على حساب أمن واستقرار المنطقة بأكملها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.