يعود اهتمام المستشرقين بفريضة الحج إلى القرن ال20 الميلادي، كونها التظاهرة الأكبر في العالم بين الديانات، والفريضة التي تجمع المسلمين حول بقعة واحدة. ومن هؤلاء المستشرق الهولندي «كريستيان سنوك هرخرونيه» الذي كتب عن الحج عام 1884، حينما قطن جدة لسبعة أشهر لتعلم اللغة العربية، وقرر إعلان إسلامه ظاهريا ليستطيع دخول مكة، ثم التقى بقاضي منطقة جدة الشيخ إسماعيل أغا وأخبره برغبته في اعتناق الإسلام، طمعا أن ينال رضاه، ولم يمض وقت طويل حتى دخل مكة ومكث بها خمسة أشهر، مدعيا دراسة الإسلام واللغة العربية، ودرس على أيدي علماء مكة، وألف بعدها كتابه «صفحات من تاريخ مكة»، ولم يمض وقت طويل حتى كُشف أمره. وقال متحدثا عن تلك التجربة: «أقمت علاقات ومعارف مع علية القوم من أفراد المجتمع المكي، وسمعت بأذني ما يتعلمه سكان المدينة العالمية (مكة)، وما يعلمونه لطلابهم، وعرفت كيف يتحدثون في أمور السياسة والفكر والثقافة، ودرست أصول العقيدة الإسلامية في المسجد والديوان والمقهى، ومن واقع الحياة اليومية». أما المستشرق الروسي عبدالعزيز دولتشين، فكان في رحلة سرية إلى مكة رصد فيها أهم المشاهد، وسجل انطباعاته حول هذه التظاهرة المهمة للمسلم. فيما قصد مكة المستشرق الإنجليزي «جوزيف بتس» في رحلته للحجاز، ليسجل أهم اللحظات التي يفعلها الحاج، ولقب جوزيف بتس ب«الحاج يوسف». وتأثر البروفيسور الأمريكي «جيفري لانج» بفريضة الحج تأثرا بالغا، وشرح في كتابته كيف أن العالم يجتمع في مكان بتعدد ثقافاته ومختلف لغاته. ويأتي المستشرق الفرنسي «هنري ماسيه» ليهتم بفريضة الحج اهتماما كبيرا، وأفرد لها قسما كبيرا في أبحاثه، موضحا في إحداها أن الحج «يكمن في ثلاثة عناصر؛ الحصول على المغفرة والرحمة، والعنصر السياسي التقليدي كون الحج جمعية كاملة للمؤمنين، والثالث عنصر (الاثنوغرافيا) المتعلق بالطقوس التي يمارسها الحجاج». رحلة هوفمان لمكة في كتابه «رحلة إلى مكة» يستعيد «مراد هوفمان» الرحلة المغربية إلى الأماكن المقدسة بالحجاز ليذكر أنها كانت تستغرق في الأزمنة السالفة حولا كاملا، ناهيك عن أنها كانت تعني للكثيرين رحلة بلا عودة. ويحيل في رحلته تلك إلى تفاصيل دقيقة تبدأ من الطائرة بقوله: «وبدلا من الموسيقى المخدرة التي اعتدنا أن نسمعها عند إقلاع الطائرات تنبعث من أجهزة الاستماع بالطائرة آيات من القرآن الكريم، إلى رحلة الطائرة التي تقترب من نهايتها ويعلن قائدها قبل هبوطها بنصف ساعة أننا سنطير فوق منطقة الحرم حول مكة؛ وهي منطقة لا يدخلها الحاج حتى وإن كان محلقا في الفضاء إلا بملابس الإحرام». هكذا يدخل هوفمان في التفاصيل الدقيقة لوصول الطائرة، إذ يعد الإعلان بمنزلة تنبيه لكل من عقد العزم والنية على أداء فريضة الحج وبدء مناسكه، لكي يرتدي ملابس الإحرام. ولم تلبث مقاعد الركاب أن أشرقت في الحال وتلألأت ببياض مبهر إلى احتياجات الحاج التي يقول عنها: «كان كل ما يحتاج إليه الحاج في حقيبتي، وقد حصلت عليه من سوق سالي مدينة القراصنة القديمة، ذلك السوق الذي يرجع تاريخه إلى العصور الوسطى، وكل متاع الحاج قطعتا قماش، وحافظة غير مخيطة لحمل القرآن الكريم، وبعض من الماء، ومظلة بيضاء للوقاية من أشعة الشمس (شمسية)، وحزام عريض من الجلد غير مخيط وإنما مبرشم لتثبيت المنشفة وبه الجيوب الثلاثة المعتادة التي يستخدم أحدها لحفظ جواز السفر والثاني لحفظ تذكرة الطائرة والثالث لحفظ بعض الأدوية». وعن الإقامة في الفندق والرحلة يكتب «هوفمان» في الفندق الذي نزل به: «كنت أقيم تحت رعاية إدارة المراسم الملكية التقيت مسلمين من أنحاء العالم كافة، من جزر القمر إلى واشنطن العاصمة وكانت أحاديثنا تدور حول شيء واحد هو الإسلام، وبفضل المناقشات الفكرية التي جرت بيننا، بدت لي رحلة الحج وكأنها جامعة متنقلة». وعن العجائب والآيات في الحج يقول: «على الرغم من هذا الزحام الشديد، كانت هناك عجائب وآيات من التسامح والرحمة. فلقد مررت بحاج سعيد يطوف حول الكعبة على عكازين، يمنعه كبرياؤه وربما يمنعه فقره من أن يحمله أحد أو يدفعه أحد على كرسي متحرك، ويحيطه الحجاج بالعناية والحذر حتى لا يقع». ويضيف «فالحج ليس فريضة فحسب، بل هو حلم لكل مسلم، والعودة منه هي مفخرته. فهو يستطيع عند العودة أن يجد منزله وقد طلي بلون أخضر، ناهيك عن أنّه سيحظى بمكانة رفيعة جدا. فلا لقب دكتور، ولا لقب الحاصل على الماجستير، ولا لقب «سعادة» ولا حتى لقب «أستاذ» تضاهي لقب «حاج» الذي يُخاطب به».