ملك الأردن يغادر جدة    سوق الأسهم السعودية يستعيد عافيته بدعم من قطاعات البنوك والطاقة والاتصالات    أمير حائل يطّلع على مبادرة توطين الوظائف وتطوير قطاع الصناعات الغذائية    رئيس مجلس الشورى يعقد جلسة مباحثات رسمية مع نظيره القطري    ولي العهد⁩ يستقبل ملك الأردن    أمير تبوك يهنئ نادي نيوم بمناسبة صعوده لدوري روشن للمحترفين    أمير جازان يرعى ملتقى المواطنة الواعية    وكيل محافظة بيش يكرم القادة و المتطوعين بجمعية البر ببيش    "وزير الصحة" متوسط العمر المتوقع في الحدود الشمالية يصل إلى 81 سنة    بخبرة وكفاءة.. أطباء دله نمار ينقذون حياة سيدة خمسينية بعد توقف مفاجئ للقلب    القبض على مواطنين لترويجهما مادتي الإمفيتامين والميثامفيتامين المخدرتين و 1.4 كيلوجرام من الحشيش المخدر    رئيس جامعة الإمام عبدالرحمن يفتتح أعمال ومعرض المؤتمر ال17 لمستجدات الأطفال    وكيل محافظة بيش يدشن أسبوع البيئة    حظر جماعة الإخوان في الأردن    الدكتور الربيعة يلتقي عددًا من المسؤولين في القطاع الصحي التونسي    فعاليات ثقافية بمكتبة الملك عبدالعزيز لليوم العالمي للكتاب    السعودية تدين بأشد العبارات الهجوم الإرهابي الذي وقع في ( با هالجام) في جامو وكشمير والذي أسفر عن وفاة وإصابة العشرات    Saudi Signage & Labelling Expo يعود إلى الرياض لدعم الابتكار في سوق اللافتات في المملكة العربية السعودية البالغة قيمته 492 مليون دولار    الداخلية: 50,000 ريال غرامة بحق كل مستقدم يتأخر عن الإبلاغ عن مغادرة من استقدمهم في الوقت المحدد لانتهاء تأشيرة الدخول    أمير منطقة جازان: فرص سياحية واعدة تنتظر المستثمرين في جزر فرسان    بيان مشترك في ختام زيارة رئيس وزراء جمهورية الهند للسعودية    ترند اليوم لا تتذكره غدا في هيئة الصحفيين بمكة    رئيس الوزراء الهندي في المملكة    الاحتلال يُدمر آليات الإنقاذ استهدافًا للأمل في النجاة.. مقترح جديد لوقف الحرب في غزة وسط تصعيد متواصل    عودة رائد الفضاء دون بيتيت بعد 220 يوما    مصر ولبنان يطالبان بتطبيق القرار 1701 دون انتقائية    استمرار تحمل الدولة رسم تأشيرة عمالة مشروع «الهدي».. مجلس الوزراء: إنشاء غرفة عمليات لاستقبال ومعالجة بلاغات الاحتيال المالي    السجن والغرامة لمستخدمي ملصقات الوجه على WhatsApp    وفاة إبراهيم علوان رئيس نادي الاتحاد الأسبق    105 تراخيص جديدة .. ارتفاع الاستثمارات والوظائف الصناعية في السعودية    إطلاق أكثر من 30 كائنًا فطريًا في محمية الملك خالد الملكية    فريق عمل مشروع توثيق تاريخ كرة القدم السعودية ينهي أعماله    سفراء الوطن يحصدون الجوائز العالمية    مؤتمر مكة للدراسات الإسلامية.. فكر يبني وانسانية تخدم    إعلاميون ل"البلاد": خبرة الهلال سلاحه الأول في نخبة آسيا    اقترب من مزاحمة هدافي روشن.. بنزيما.. رقم قياسي تاريخي مع الاتحاد    دول آسيوية تدرس مضاعفة مشتريات الطاقة الأميركية لتعويض اختلال الميزان التجاري    «التواصل الحضاري» يدرّب 89 طالبًا من 23 جامعة    جامعة الملك سعود تحتفي باليوم العالمي للغة الصينية    معرّفات ظلامية    أمير المدينة المنورة يطلع على جهود "الأمر بالمعروف"    أمانة مكة تعلن ضوابط الشهادات الصحية للحج    أمير الرياض يستقبل السفير الإندونيسي    مؤتمر القصيم لطب الطوارئ يختتم أعماله    دليل الرعاية الصحية المنزلية.. خارطة طريق لكفاءة الخدمات    7.7 مليار ريال أثر مالي لكفاءة الإنفاق بهيئة تطوير المنطقة الشرقية    7 مليارات ريال تمويل القروض الزراعية    ما الأقوى: الشريعة أم القانون    نائب أمير الرياض يُشرف حفل السفارة الأمريكية بمناسبة ذكرى اليوم الوطني    "جامعة جدة" تحتفي بأبطال المبارزة في بطولة المملكة للمبارزة SFC    بنزيما يحظى بإشادة عالمية بعد فوز الاتحاد على الاتفاق    "هيئة الأدب" تدشن جناح مدينة الرياض في معرض بوينس آيرس الدولي للكتاب    موجبات الولادة القيصرية وعلاقتها بالحكم الروماني    أمير الشرقية يرعى حفل تخريج الدفعة ال 46 من طلاب جامعة الإمام عبد الرحمن    رئيس المالديف يستقبل البدير    أمير تبوك يستقبل القنصل العام لجمهورية أفغانستان لدى المملكة    نائب وزير الخارجية يستقبل مساعد وزير الخارجية مدير عام إدارة الشرق الأوسط وأفريقيا بوزارة خارجية اليابان    الرئيس العام للهيئات يلتقي منسوبي فرع المدينة المنورة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أوّل إنجليزي يزور جدة عام (1680م)

جدة بعدسة ذاكرة جوزيف بتس جدة مدينة تاريخية عريقة، قابعة على الضفة الشرقية من البحر الأحمر في المنطقة الغربية من المملكة العربية السعودية، هذا الكيان الكبير الذي أسسه ووحّد أرجاءه وأمّن طرقه جلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود رحمه الله. وقد أصبحت جدة اليوم مدينة عالمية بكل المعايير، يقصدها الملايين كل عام لأسباب مختلفة. فالحجاج والمعتمرون يأتون إليها في طريقهم إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة. والسياح يفدون إليها لقضاء أمتع الأوقات على ضفاف بحرها القلزمي، والتمتع بليالي صيفها المؤنس، والبعض يأتي إليها من دول عربية مختلفة للعلاج في مستشفياتها المتطورة، كما يأتي كثير من الطلبة للدراسة في جامعاتها وكلياتها المعروفة وهكذا. وفي الماضي البعيد قبل وجود الطائرات والسيارات والطرق السريعة، في أزمنة كانت وسائل النقل حينها تقتصر على الدواب والسفن الشراعية، كان الرحالة والمغامرون يأتون إلى جدة لزيارتها أو للذهاب من خلالها إلى الحرمين الشريفين في مكة المكرمة والمدينة المنورة. ولقد ترك لنا كثير من هؤلاء الرحالة والمغامرين قبسات من ملامح هذه المدينة في الأزمنة التي قدموا فيها إليها، سجلوها بعدسات ذاكرتهم ووثقوها في كتب رحلاتهم. ولقد بدأ قدوم الغربيين من المغامرين والرحالة إلى الجزيرة العربية عمومًا وجدة خصوصًا منذ أوائل القرن السادس عشر الميلادي. وعندما زار الإيطالي لودفيكو دي فاريتما جدة عام (1503م) أصبح هذا المغامر أوّل أوروبي يزور جدة في التاريخ الحديث. ولقد أتى إلى منطقتنا ومنها مدينة جدة بعده كثير من الأوروبيين وغيرهم من الغربيين، ولم يكونوا جميعًا من الرحالة المستكشفين، كما أنهم لم يأتوا جميعًا إلى بلادنا بمحض إرادتهم. وهناك فرق بين المغامرين والمستكشفين، فالرحالة المستكشفون كانوا غالبًا ما يدونون السجلات، ويكتبون عن أدق التفاصيل المحيطة برحلاتهم، ويتحدثون عن الآثار التي شاهدوها، ويصفون سكان المناطق التي حلوا بها ويكتبون عن سكانها وعن منازلهم وملابسهم وعاداتهم وتقاليدهم وغير ذلك، ويرسمون الخرائط المفصلة للبلاد التي زاروها، بخلاف المغامرين الذين سبقوا الرحالة في القدوم إلى جزيرة العرب بعدة قرون من أمثال فاريتما وغيره، والذين كانت أسباب قدومهم المغامرة وليس الاستكشاف. وكذلك بخلاف بعض الأوروبيين الذين لم يأتوا إلى منطقتنا بمحض إرادتهم بل اجبروا على ذلك، مثل الانجليزي جوزيف بتس، الذي قدم إلى جدة عام (1091ه الموافق 1680م). ترجمة جوزيف بتس (الحاج يوسف) (Joseph Pitts): كان جوزيف بتس أول إنجليزي يزور جدة في التاريخ الحديث، وكان أول غربي يصف طريق الحج المغربي، أو درب الحجاج (البري والبحري) من بلاد المغرب مرورًا بمصر حتى يصلوا إلى الديار المقدسة. ومعروف أن الأدب العربي مليء بالكثير من المعارف عن درب الحج الشامي، أي قوافل الحج القادمة من الشام، ودروب الحج العراقي، القادمة من العراق، لكن القارئ العربي كان لا يجد الكثير عن دروب الحج القادمة من المغرب مرورًا بمصر وعن ما عاناه هؤلاء الحجاج في الطرق البرية والبحرية خلال ذهابهم إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة. وقد كتب بتس كتابًا عن رحلته وسمه (رحلة جوزيف بتس إلى مصر ومكة المكرمة والمدينة المنورة). وفي مقدمة ترجمته لهذا الكتاب، ينقل مُتَرجِمَهُ الدكتور عبدالرحمن عبدالله الشيخ ما قاله الرحالة الشهير رتشارد بيرتون في الملحق الخامس لكتابه (الحج إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة) عن سيرة حياة جوزيف بتس فيقول: «إذا كان جوزيف بتس هو أول إنجليزي وثاني أوروبي بعد الإيطالي لدفيكو دي فاريتما يزور مكة المكرمة (وجدة) في التاريخ الحديث، فهو أيضًا أصغر الرحالة سنًا، حتى إنني كدت أجعل عنوانًا لترجمتي هذه (رحله الصبي بتس لمصر والديار المقدسة)(1)». ولد البريطاني جوزيف بتس في مدينة اكستر (EXETER) البريطانية الساحلية سنة (1074ه - 1663م) ولشدة ولعه بالسفر أصبح بحارًا وهو في سن الخامسة عشرة(2). كان عمل بتس في البحر في فترة الحروب البحرية التي قال عنها الباحث السعودي المعروف الأستاذ أحمد محمد محمود في موسوعته التي سماها (جمهرة الرحلات) ما ننقل منه هنا بتصرف: «حروب الجهاد البحري التي كان يشنها المجاهدون المسلمون ممن طردوا من الأندلس في البحر المتوسط بمؤازرة الدولة العثمانية، تلك الحروب التي أطلق عليها الأوروبيون (حرب القراصنة)(3). وفي إحدى رحلاته وقعت سفينة جوزيف بتس بالأسر بأيدي بحارة جزائريين من هؤلاء البحارة وقاموا بأسره. ثم أُخِذَ جوزيف بتس إلى الجزائر بصفته عبدًا على مألوف العادة السائدة في تلك العصور، التي يبين الأستاذ أحمد محمود أن البرتغال وحدها في ذلك الوقت استعبدت عام (1650م) مليونا ونصف مليون إنسان من واحدة فقط من مستعمراتها –أنجولا– اليوم. كما يبين الكاتب نفسه أن تجارة العبيد ازدهرت في بريطانيا وقتها، كما يذكر أن إسبانيا وهولندا وفرنسا ساهمت في تجارة العبيد من الكاريبي وجنوب أفريقيا. ويقول الباحث أحمد محمود: إن وصف بتس لسوق العبيد في الجزائر ينطبق على نفس هذه الأسواق في بعض دول الغرب(4). قام سيد جوزيف بتس في عام (1680م) باصطحابه إلى جدة ومنها إلى مكة المكرمة التي قضى فيها أربعة أشهر (5) ثم توجه هو وبتس ورفاقهم إلى المدينة المنورة. وكان الغرض من رحلتهم أداء فريضة الحج وزيارة مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام، والتشرف بالسلام عليه، صلّى الله عليه وسلّم. وبعد الحج أعتقه سيده وكتب له ما يفيد عتقه وعاد بتس بطوعه واختياره إلى الجزائر وعاش هناك سنوات طويلة قبل أن يغادرها عائدًا إلى بلاده(6). خط سير رحلة جوزيف بتس إلى جدة: بدأ جوزيف بتس رحلته إلى الديار المقدسة على ظهر سفينة استقلها من الجزائر في طريقها إلى الإسكندرية وكان ذلك عام (1091ه - 1680م) (7) ووصل إلى الإسكندرية بعد حوالى أربعين يومًا من مغادرة الجزائر ومكث بها هو وصحبه حوالى عشرين يومًا، وقال بتس عن هذه المدينة العريقة: أنه رأى أثناء تجواله بها كثيرًا من الأروقة المقنطرة تحت الأرض، وأنه تصل الإسكندرية ترعة من النيل (قناة) لتملأ آبارها، ومن هذه الآبار تتزود الإسكندرية الجديدة التي قال: إنها تبعد عن الإسكندرية القديمة زهاء ربع ميل وكذلك تتزود كل السفن التي تؤوي إليها بالماء العذب. وقال: إنه يعتقد أن كل أسوار الإسكندرية وبواباتها الحديدية ما زالت قائمة. وتحدث بتس عن الآثار القديمة التي شاهدها في الإسكندرية خلال إقامته فيها. ووصف المسجدين اللذين كانا في الإسكندرية القديمة وقال: إن أحدهما كان يطلق عليه اسم: مسجد بن بيردريك، وبَيَّنَ: أن هذا الاسم يعني ألف عمود وعمود، وهو عدد الأعمدة بذلك المسجد. كما تحدث بتس عن أعمدة قديمة ضخمة وعالية، أحدها كان من السماكة بحيث أن ثلاثة أو أربعة رجال لا يمكنهم تطويقه، وارتفاعه شديد بحيث إنه حاول رمي حصاة لأعلاه فلم يستطع بلوغ القمة بالحجر الذي رماه (8). وبعد عشرين يوما من وصولهم إلى الإسكندرية ذهب بتس ورفاق رحلته إلى مدينة (رشيد) التي قال: إنها تبعد حوالى فرسخين عن مجرى النيل الرئيس الذي كان يسمى (بحر النيل) (9). ونقل بتس عن من قال إنهم ثقات: أن بعض الإيطاليين الجنوبيين (أهل جنوة) والبنادقة (أهل البندقية) يحصلون على الماء العذب من مصب النيل دون أن يعترضهم أحد (10). وتحدث بتس عن تردي الأمن في تلك الفترة التي كان الحجاج يتوجهون فيها من مصر للحج وهم يحملون المال، وتحدث عن إطلاق نار لإخافة اللصوص الذين هربوا (11). وبعد وصول بتس ورفاقه إلى السويس اشتروا ماءً عذبًا لرحلتهم بحوالى «ست بنسات» وبعد يومين في «السويس» أبحروا إلى «الطور» التي قال عنها: «إنها مدينة صغيرة جدًّا ذات ميناء»(12). ومن الطور أبحروا إلى «بئر فرعون» التي قال: إن بني إسرائيل عبروا منه البحر الأحمر، وأنه المكان الذي غرق فيه فرعون بأمر الله سبحانه وتعالى بعد عبور بني إسرائيل. وقَدَّرَ بتس عرض البحر الأحمر في هذا الموضع بحوالى ستة فراسخ أو سبعة (13). وعن إبحارهم في البحر الأحمر قال بتس: إن الإبحار في البحر الأحمر غير آمن ليلًا، إلا في موضع واحد لا يستغرق عبوره أكثر من ليلتين، وذلك سبب كثرة الشعاب التي «ما نكاد ننتهي من رؤية بعضها حتى نرى بعضها الآخر، وأحيانًا تكون قريبة من السطح، وبعض هذه الصخور أضخم من غيرها، وبعدها يبدو كجزيرة وبعضها يبرز بالفعل فوق سطح الماء وبعضها تحت سطح الماء بقليل، لذا فقد كنا نرسو كل مساء باتجاه الريح قرب صخرة أو أخرى» (14). وقال: «إن البحر الأحمر ضيق حول السويس، «يقصد خليج السويس»، واستطرد قائلاً: «ولما أبحرنا للطور كانت الصحراء قريبة عن يسارنا ولم نرَ أي ساحل عن يميننا ويُعتَقَدُ آن ماء البحر الأحمر في هذه المنطقة أشد ملوحة منه في أي مكان آخر» (15). وقال بتس: إنهم مكثوا مبحرين في هذا البحر زهاء شهر، وبعد ذلك ببضعة أيام وصلوا (رابغ)، ولبس الحجاج لباس الإحرام هناك (16). ومن (رابغ) أبحروا إلى (جدة) التي قال عنها: «إنها اقرب الموانئ إلى مكة المكرمة التي لا تبعد عنها أكثر من يوم، وأن السفن تُفرِغُ حمولاتها في جدة». وقال بتس: إنهم اُستقْبِلوا عند وصولهم إلى جدة من قبل الأدلاء (الوكلاء) مندوبي المطوفين (وهذا يدلنا على عراقة وقدم مهنة الوكلاء في خدمة حجاج بيت الله الحرام ويوضح أهمية الدور التاريخي الذي يقوم به الوكلاء وباقي أرباب الطوائف من مطوفين وأدلاء وزمازمة وغيرهم في خدمة ضيوف الرحمن) (17). ومن جدة ذهب جوزيف بتس ورفاقه إلى مكة المكرمة. وقد وصف بتس المسجد الحرام والكعبة المشرفة وكسوتها وتحدث عن المآذن والمكبريات ومقام إبراهيم وبئر زمزم وغير ذلك. وعندما ذهب بتس للحج تحدث عن عرفات وعن منى ومزدلفة ووصف منطقة المشاعر المقدسة وتحدث عن الحجاج ووصف طواف الوداع (18). وعند انتهاء فترة إقامتهم في مكة المكرمة غادر بتس ورفاقه في قافلة سارت لمدة عشرة أيام قبل أن تصل إلى المدينة المنورة (19). زيارة بتس للمدينة المنورة: ولقد تكلّم جوزيف بتس عن المدينة المنورة باختصار حيث مكث بها ثلاثة أيام، لذا فإنه لم يتمكّن من رؤية المدينة جيدًا ولا من التعرف على أهلها عن قرب، ولا على عاداتهم وتقاليدهم وما إلى ذلك. ومع ذلك فقد سجّل جوزيف بتس بعدسة ذاكرته بعضًا من ملامح المدينة المنورة في زمن رحلته إليها ضَمّنَها كتابه، حيث يقول: «وفي حوالى اليوم العاشر من هذه الرحلة السهلة بعد خروجنا من مكة المكرمة، دخلنا المدينة المنورة، حيث دفن الرسول صلّى الله عليه وسلّم، رغم أنني أعتقد أن المسافة بينهما في خط مباشر في الطريق إلى مصر لا تزيد على يومين أو ثلاثة، وذلك حتى يمكن الحجاج زيارة مسجد الرسول صلّى الله عليه وسلّم ثم الرحيل في اليوم الثالث. ويقول عن المدينة المنورة: إنها مدينة صغيرة يحيط بها سور وبها مسجد كبير (يقصد المسجد النبوي الشريف) الذي قال: إنه أصغر من المسجد الحرام، وذكر أن بأحد أركانه مبنى مساحته حوالى أربع عشرة أو خمس عشرة خطوة مربعة، به نوافذ ضخمة مغطاة بشبك نحاس، وداخل هذا المبنى الصغير (يقصد القبر الشريف)، بعض المصابيح والزينات وهو مقنطر، وقد قيل إنه يوجد ما لا يقل عن ثلاثة آلاف مصباح حول القبر الشريف وهو قول غير صحيح إذ لا يوجد –كما أعتقد– أكثر من مائة (20). وقال بتس: «إنه يتم تزويد المدينة المنورة بالمؤن من الحبشة على الساحل الآخر للبحر الأحمر، فمن الحبشة تأتيهم السفن محمّلة بالقمح وغير ذلك من الضروريات، وهي سفن غريبة لم أرَ لها مثيلًا، فأشرعتها من حصير، كالحصير الذي يستخدمونه في بيوتهم ومساجدهم» (21). مغادرة بتس للمدينة المنورة: يقول بتس: وبعد أن قضينا في المدينة المنورة يومين، غادرناها في اليوم الثالث، ولما قطعنا عشرة أيام أخرى قابلنا عددًا كبيرًا من سكان الصحراء قدموا لنا كميات وافرة من الفاكهة خاصة الزبيب، ولا أدري من أين أتوا بها. ولما وصلنا بعد ذلك بخمسة عشر يومًا لمصر قابلنا جمعًا غفيرًا وقد حَمّلوا جِمَالَهُم بالهدايا التي أرسلها الأصدقاء والأقارب للحجاج، كالحلوى وما إلى ذلك. لكن بعض من هؤلاء القادمين أتوا بقصد التجارة؛ أي لبيع المؤن الطازجة للحجاج والاتجار معهم (22). وبعد أن وصل بتس إلى القاهرة وجد مرض الطاعون منتشرًا، وقال إنه: قد قِيلَ:
أن الطاعون قضى على ستة آلاف شخص خلال أسبوعين، لذا فقد أسرعوا مغادرين القاهرة إلى (رشيد) ومنها إلى (الإسكندرية) حيث وجدوا سفينة جاهزة لتنقلهم إلى الجزائر. ولكن انتشار الطاعون في الإسكندرية تسبب في إصابات بهذا المرض على ظهر سفينتهم نتج عنها أنهم القوا في البحر عشرين جثة ممن ماتوا بسببه -على حد قول بتس– الذي أصابه الطاعون مجرد وصولهم إلى سواحل الجزائر. ويقول بتس: انه نجا من الموت بالطاعون بفضل عناية الله سبحانه وتعالى(23). ولقد استمر بتس في البقاء زمنًا في الجزائر ولكنه بدأ فيما بعد يفكر في الرحيل إلى بلده. أخيرًا قادت معرفته بتاجر إنجليزي إلى تقديمه إلى السيد بيكر (Baker) وهو القنصل البريطاني في الجزائر آنذاك، وكانت مسألة الفدية مطروحة للنقاش. لكن القنصل لم يكن قادرًا على جمع المبلغ المطلوب، وهو مئة جنية إسترليني، فأجهش بتس بالبكاء لضياع الفرصة. وبعد فترة سَنَحَتْ لجوزيف بتس فرصة للسفر من الجزائر، إذ أُُرسِلَتْ بعض السفن الجزائرية إلى مدينة (سميرنا) التركية لمساعدة الأتراك، وكان بتس على متن إحداها. حمل بتس معه رسالة من السيد بيكر إلى القنصل البريطاني في (أزمير) وفي تركيا صعد على متن باخرة فرنسية بلباس أوروبي. وصلت السفينة بأمان إلى مدينة (ليجهورن) (Leghorn)، فسجد بتس لله تعالى وقبل الأرض (24). ولما عاد بتس إلى مدينة (اكستر) (Exeter)، التقى والده الذي كان ما زال على قيد الحياة لكن والدته كانت قد ماتت قبل سنة من ذلك. وكان وصول بتس إلى مدينة «اكستر» عام (1105ه - 1693م) ولا يُعرَفُ تاريخ موته على وجه التحديد، لكن يُعتَقَدُ أنه كان سنة (1148ه - 1735م). ويوجد دليل قوي على أنه في عام (1731م) كان مازال حيًا في مسقط رأسه (25). هذه قصة الإنجليزي المسلم جوزيف بتس ورحلته للحج ومسجد الرسول صلّى الله عليه وسلّم ومجيئه إلى جدة، كأول بريطاني يزور المنطقة في التاريخ الحديث في عام 1680م. المصادر والمراجع: 1- بتس، جوزيف : رحلة جوزيف بتس إلى مصر ومكة المكرمة والمدينة المنورة ، ص/7 2- رالي ، اغسطس : مكة المكرمة في عيون رحالة نصارى، تحقيق د. محمود السرياني ود. معراج نواب مرزا ،دارة الملك عبدالعزيز ، الرياض ، 1430ه ، ص/99 3- محمود ،احمد محمد : الرحلات المحرمة إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة ، الدار السعودية للنشر والتوزيع ، 1430ه ، ص/36 4- المصدر السابق ، ص/36 5- المصدر السابق ،ص/36 6- بتس ، جوزيف :رحلة جوزيف بتس ، مصدر سابق ، ص/8 7- رالي ، اغسطس ، مكة المكرمة في عيون رحالة نصارى مصدر سابق ، ص/100 8- بتس ، جوزيف : رحلة جوزيف بتس ، مصدر سابق ، ص/26 9- المصدر السابق ،ص/26 10- المصدر السابق ، ص/27 11- المصدر السابق ، ص/30 12- المصدر السابق ، ص/41 13- المصدر السابق ، ص/42 14- المصدر السابق ، ص/42 15- المصدر السابق ، ص/43 16- المصدر السابق ، ص/44 17- المصدر السابق ، ص/44 18- المصدر السابق ، ص/63 19- المصدر السابق ، ص/71 20- المصدر السابق ، ص/72 21- المصدر السابق ، ص/73 22- المصدر السابق ، ص/74 23- المصدر السابق ، ص/76 24- رإلى ،اغسطس: مكة المكرمة في عيون رحالة نصارى ، مصدر سابق ص/103 25- المصدر السابق ، ص/104

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.