اتسعت دائرة الكتابة عن رحلات الحج، فكان أصحابها المؤلفون يختلفون في الغاية والهدف، لكنهم يتفقون في المكان والزمان. فمكة مكان الكتابة، وموسم الحج زمنه الثابت، هناك من يقرأ المكان بشكل جيد، وهناك من يصب تركيزه الكامل على لحظات الدهشة المختلفة والمتعددة، يرسمها في كلمات. في كتابه «رحلة إلى مكة» يعيد لنا الدكتور مراد هوفمان صورة الحج في ذاكرة المغاربيين بقوله «... واستعادوا إلى الذاكرة أن رحلة المغربي إلى الأماكن المقدسة بالحجاز تستغرق في الأزمنة السالفة حولا كاملا، ناهيك عن أنها كانت تعني للكثيرين رحلة بلا عودة». فيصف لنا في كتابه سابق الذكر الحجاج الذين يستبدلون آيات من القرآن الكريم بالموسيقى المخدّرة «وبدلاً من الموسيقى المخدرة التي اعتدنا أن نسمعها عند إقلاع الطائرات تنبعث من أجهزة الاستماع بالطائرة آيات من القرآن الكريم»، كما يصف لنا لحظات الوصول إلى المشاعر المقدسة بقوله «تقترب رحلة الطائرة من نهايتها ويعلن قائدها قبل هبوطها بنصف ساعة أننا سنطير فوق منطقة الحرم حول مكة وهي منطقة لا يدخلها الحاج حتى وإن كان محلقاً في الفضاء إلا بملابس الإحرام»، كما أنه ينقلنا بالكلمات إلى الحدث بشكل مباشر، فيقول «كان هذا الإعلان بمنزلة تنبيه لكل من عقد العزم والنية على أداء فريضة الحج وبدء مناسكه، لكي يرتدي ملابس الإحرام. ولم تلبث مقاعد الركاب أن أشرقت في الحال وتلألأت ببياض مبهر». ولا يهمل مراد هوفمان حاجات الحاج، التي يحرص على أن تكون في حقيبته، فيقول «كان كل ما يحتاج إليه الحاج في حقيبتي، وقد حصلت عليه من سوق سالي مدينة القراصنة القديمة. ذلك السوق الذي يرجع تاريخه إلى العصور الوسطى وكل متاع الحاج قطعتا قماش وحافظة غير مخيطة لحمل القرآن الكريم وبعض من الماء ومظلة بيضاء للوقاية من أشعة الشمس (شمسية) وحزام عريض من الجلد، غير مخيط وإنما مبرشم لتثبيت المنشفة وبه الجيوب الثلاثة المعتادة التي يستخدم أحدها لحفظ جواز السفر والثاني لحفظ تذكرة الطائرة والثالث لحفظ بعض الأدوية». فيما يأخذنا في رحلته إلى المكان الذي يقيم فيه، بقوله «في الفندق الذي نزلت به، حيث كنت أقيم تحت رعاية إدارة المراسم الملكية التقيت مسلمين من أنحاء العالم كافة، من جزر القمر إلى واشنطن العاصمة وكانت أحاديثنا تدور حول شيء واحد هو الإسلام، وبفضل المناقشات الفكرية التي جرت بيننا، بدت لي رحلة الحج وكأنها جامعة متنقلة».