عيد داعية متطرف تعرض للسَّجْن سابقاً ليقبع خلف القضبان مجدداً. هذه المرة بفضل تحقيق استثنائي حدا بشرطة مدينة نيويورك إلى تجاوز نطاق صلاحياتها، لتجري اتصالاً مع عنصر في تنظيم «داعش» في الشرق الأوسط. وخرج ذلك التحقيق إلى النطاق الدولي، وأسفر عن اعتقال الداعية الجامايكي عبدالله الفيصل في جامايكا الأسبوع الماضي، من دون مشاركة عملاء مكتب التحقيقات الفيديرالي (إ ف. بي. آي.)، ووكلاء النيابة الفيديرالية. ومن دون أن تطأ أقدام الداعية المحتجز أرض نيويورك. ولا تزال تفاصيل هذا التحقيق المثير طي الكتمان. بيد أن وثيقة اتهام أودعت لدى إحدى محاكم الولاية، في مانهاتن، تشير إلى أن ضابط شرطة متخفياً تظاهر بأنه جهادي يتحرق شوقاً للجهاد اتصل بالفيصل عن طريق إحدى شبكات التواصل الاجتماعي. وتتهم الوثيقة الفيصل بمحاولة تجنيد الشرطي، ليقوم بدور ممرض في خدمة «داعش». وتضيف أن الفيصل قدم الشرطي إلى «مُسهِّل» في معقل «داعش» (مدينة الرقة السورية)، الذي تبادل رسائل هاتفية مع الشرطي الأمريكي في وقت سابق العام الحالي. وقالت السلطات الأمريكية إن شعبة الاستخبارات التابعة لشرطة نيويورك أوفدت فريقاً إلى المنطقة في آخر مراحل التحقيق الذي استغرق عاماً. لكنها أحجمت عن ذكر تفاصيل أنشطة ذلك الفريق. وذكرت الشرطة أنها حصلت على إذن من وزارة العدل الأمريكية بأن يتجاوز التحقيق نطاق الأراضي الأمريكية. وبدلاً من العمل كالمعتاد مع وكلاء النيابة الاتحاديين، عملت شرطة نيويورك مع وحدة نيابة محلية أسسها في عام 2015 وكيل نيابة مانهاتن سايروس فانس الابن، اعتماداً على قوانين ولائية لمكافحة الإرهاب يندر اللجوء إليها، للحصول على اتهام رسمي للداعية الجامايكي باسمه الأصلي، وهو تريفور وليام فورست. وقال فانس: بدا لي بوضوح أنه ينبغي أن يكون لوكيل نيابة مانهاتن، الموجود في مدينة تمثل الهدف الأول للإرهابيين في أمريكا، القدرة على مساندة معركة البلاد ضد الإرهاب. يقبع في أحد سجون بلاده بانتظار إجراءات تسليمه للولايات المتحدة ومن المعتاد أن تضطلع قوة مشتركة من ال «إف. بي. آي.» وشرطة نيويورك بالدور الأكبر في أي تحقيق يتعلق بالإرهاب، خصوصاً إذا كانت له تقاطعات دولية. لكن ذلك لم يحدث في هذه القضية. كما أنها لم تنطو على وجود أي مشتبه بهم محليين، أو أي تهديد مباشر للمدينة، وهو ما يبرر إجراء التحقيق على مستوى الولاية. وأوضح فانس أن مكتبه تشاور مع القوة المشتركة مع ال«إف. بي. آي.». لكنه خلص إلى أن أفضل الخيارات يتمثل في توجيه اتهامات للفيصل تحت طائلة قوانين الولاية، وليس القانون الفيديرالي. وقال: هدفنا أن نأتي به (الفيصل) إلى أمريكا. وقد بذلنا كل جهد ممكن لتحقيق تلك الغاية. ويقبع الفيصل في حراسة بجمايكا بانتظار إجراءات تسليمه للولايات المتحدة. ولا يعرف إن كان له محام يدافع عنه هناك. لكن سلطات نيويورك تقول إنها تتوقع أن يسعى الداعية المتطرف، البالغ من العمر 53 عاماً، للحصول على كفالة من محكمة جامايكية الشهر الجاري. وظل الفيصل - المكنى «الجامايكي» - يخضع لمراقبة السلطات في دول عدة منذ سنوات، فقد كان مسجوناً في بريطانيا في عام 2003، بعد إدانته بالتحريض على القتل، وإثارة الكراهية العنصرية، وتحريض أتباعه على قتل الهندوسيين، واليهود، والأمريكيين. وبعد انتهاء محكوميته في عام 2007، أبعدته بريطانيا إلى موطنه جامايكا. العميل السري تظاهر بأنه «ممرض».. وردَّ «داعش»: نحن بحاجة لخدماتك وفي 2010 اعتقلته شرطة مكافحة الإرهاب في كينيا، بتهمة مخالفة شروط تأشيرة الدخول السياحية، ليمارس الوعظ في مساجد البلاد. وقامت بإعادته إلى جمايكا، التي حذرت سلطاتها من أنه قد يصبح قدوة للمتطلعين للجهاد من مسلمي البلاد الذين لا يتجاوز عددهم خمسة آلاف نسمة. بيد أن أدلة جديدة على نفوذ الفيصل طفت على السطح هذا الأسبوع، في قضية أخرى ليست لها صلة بهذا التحقيق. وهي قضية توجيه اتهام إلى رجل من نيويورك بالسفر للسعودية، وهو راغب في السفر للانضمام إلى «داعش». فقد حصل عملاء الشرطة على محاضرات «جهادية» قدمها الفيصل، في جهاز الكمبيوتر الخاص بالمتهم المشار إليه. وأعرب مفوض شرطة نيويورك جيمس أونيل، في سياق إعلانه اعتقال الفيصل بجمايكا، أن يضع العملية الأمنية التي استهدفت الفيصل نهاية في الحال لتأثيره العالمي على الجماعات الإرهابية. ويظهر هذا التحقيق كيف قررت شرطة بلدية نيويورك أن تقوم بدور جريء في مكافحة الإرهاب، في أعقاب هجمات 11 سبتمبر 2001. وعلى رغم انتقادها بتجاوز الحدود لملاحقة إرهابيين قد يشكلون خطراً، فإن مسؤوليها تمسكوا مراراً بأن ما قاموا به كان ضرورياً لحماية أكبر مدينة في الولاياتالمتحدة. وتنشر شرطة نيويورك عدداً من ضباطها بصفة دائمة في دول أخرى، في سياق مساعيها لجمع معلومات استخبارية. وطبقاً لأوراق القضية، فإن الفيصل بدأ الرد على رسالة الشرطي الأمريكي السري في نوفمبر 2016، عارضاً عليه أن يساعدوه في الانضمام إلى «داعش». وقال له: يمكنني أن أقوم بتوصيلك بشخص ما هناك. فرد عليه الشرطي السري بأنه يحمل شهادة في القيام بالإسعافات الأولية، وبأنه يرغب في مساعدة المقاتلين الأجانب في المنطقة. وما لبث الفيصل أن قام بتوصيل الشرطي بشخص أرسل للأخير رسالة نصية كتب فيها: «أنا أقيم في R»، فاصداً الرقة. وقال الشخص (لم تكشف السلطات هويته) للشرطي: «حان الوقت لمجيئك. نحن بحاجة لأشخاص في الحقل الطبي». وحذره أيضاً من أن عليه «أن يكون مستعداً لأي شيء».