هناك محاولة دولية بواجهات إقليمية لإعادة تعويم الرئيس السوري «السابق» بشار الأسد، وتستند هذه المحاولة لغير فرضية: بشار الأسد الذي يمثل الليبرالية والعلمانية أفضل من داعش ومن الفوضى، بشار الأسد ضروري لمكافحة الإرهاب، وهناك إمكانية للفصل بينه وبين إيران، بل إن بشار «الروسي» مختلف كليا عن بشار الإيراني. يبدو أن بعض الأمم تحترف عدم التعلم من التاريخ والتجارب، فمن المؤسف حقا أن كل الفرضيات التي تبني نظرية تعويم الأسد خاطئة. الحرب على بشار جزء من الحرب على الإرهاب، كيف يمكن أن يكون بشار علمانيا أو ليبراليا وأغلب حلفائه من فصيلة الإسلام السياسي: الجمهورية الإسلامية الإيرانية وحزب الله، وفي مرحلة سابقة مع حركة المقاومة الإسلامية «حماس» ومع أردوغان رئيس تركيا الإسلاموية. لا يمكن أن يكون بشار علمانيا أو ليبراليا وهو يمثل رأس حربة في تحالف الأقليات، لا يمكن أن يكون ليبراليا أو علمانيا وهو يتفنن - بلا حسيب ولا رقيب - في ارتكاب المذابح الطائفية. حزب البعث الذي ينتمي إليه بشار يدعي العلمانية ظاهرا، لكنه حقيقة لا يختلف عن الأحزاب الإسلاموية، يتطابق السلوك لكن تختلف المفردات، فالخيانة هنا تساوي التكفير هناك، وشعار «وحدة، حرية، اشتراكية» يعادل شعار «الإسلام دين ودولة ومصحف وسيف»، وشعار «أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة» يؤدي موضوعيا دور شعار «الإسلام هو الحل». لم يصل حزب البعث - مطلقا - للسلطة بطرق شرعية، ولم يحكم - مطلقا - بطريقة سوية، دولة حزب البعث هي دولة الحزب الواحد، والحزب الواحد - دائما - يزيح الدين من الحياة العامة ليحل محله، إذن فالحزب الواحد في مجتمعه يؤدي وظيفة الدين في المجتمعات الأخرى، ونضرب مثالا على ذلك بالطقوس «الدينية» التي يمارسها شبيحة بشار خلال التعذيب، كطلبهم من الموقوفين السجود لصورة بشار أو القول «لا إله إلا بشار» والعياذ بالله، وكل هذه الطقوس مسجلة وموثقة. من يساهم في صناعة الإرهاب لا يمكن أن يكون جزءا من محاربته، بشار زرع في لبنان تنظيم «فتح الإسلام» الإرهابي، وفخخ العراق بعناصر ومجازر تنظيم القاعدة، ثم قامت أجهزته الأمنية والإعلامية والسياسية باتهام السعودية بهذه الجرائم، ومن ينسى أن بشار الأسد أصدر عفوا عن شاكر العبسي مؤسس «فتح الإسلام» وعن أبي مالك التلي أحد قادة القاعدة والنصرة، وهذا على سبيل المثال لا الحصر. ارتكب بشار - أيضا - فظاعات الإرهاب بيديه، في لبنان يوم اغتال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه من شهداء ثورة الأرز، ويوم كلف الشبيح المدان قضائيا ميشال سماحة بعمليات اغتيال وتفجير تكفي لإشعال عشرات الفتن الطائفية والحروب الأهلية، وفي سورية حين قصف شعبه الأعزل بالبراميل وبالأسلحة المحرمة بعد اعتقال وقتل وتهجير الملايين، ولم يتورع حين ضاقت به السبل عن استقدام القوات الروسية والميليشيات الإيرانيةوالعراقيةواللبنانية والمرتزقة الأفغان للإجهاز على من تبقى من شعبه، وما خفي أعظم. لا يمكن أن يكون بشار الأسد أفضل من داعش، فبشار هو الأب الروحي للدواعش، بل إن الطرفين لهما عدو واحد، الاعتدال السني والشعب السوري، كيف يشتري النظام السوري النفط من داعش؟ وكيف اتفق الطرفان على ضرب الجيش الحر والمعارضة السورية؟ وكيف تشابه السلوك بينهما، بشار يقتل الشعب السوري، وكذلك يفعل الدواعش، أما المواجهات بين الطرفين (بشار وداعش) فهي تمثيلية أو معدومة. الدواعش إرهابيون ملتحون يرتدون الجلابيب، وبشار إرهابي حليق يرتدي ربطة عنق، وكما أن الدواعش أبناء شرعيون لسياسات بشار، فكذلك الفوضى، قتل المدنيين يؤدي - حتما وقطعا - إلى الإرهاب والفوضى، وقد دعم المجتمع الدولي بشارا مرتين، مرة حين سكت عن قتل السوريين، ومرة حين تمنع عن تسليح المعارضة ووضع غير فيتو يمنع إسقاط الأسد. محاولات كثيرة بذلها كل من: حسني مبارك وجاك شيراك ونيكولا ساركوزي وجورج دبليو بوش والملك عبدالله بن عبدالعزيز لفصل بشار الأسد عن إيران، وكل المحاولات - رغم تكرارها - باءت بفشل ذريع، فبشار موظف إيراني لا حول له ولا قوة، والانطباع النهائي عن شخصيته: متردد، صاحب وجهين، تتحكم فيه عقدة الأقليات وعقدة أنه الخليفة البديل لا الأصيل (شقيقه باسل الأسد). ومن يخوض تجارب قديمة بغية الحصول على نتائج جديدة يعاني الخلل. في إطار أيرنة بشار الأسد عانت منه الأمرين دول الاعتدال، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، فقد تآمر عليها بعد أحداث سبتمبر 2001 ليلصق بالمملكة تهمة الإرهاب، وتآمر عليها غير مرة لإسقاط المبادرة العربية للسلام، وكان داعما للإرهاب الذي ضرب أراضيها، ومن أبشع صور ذلك استقطاب من يستطيع من أبناء المملكة لاستيعابهم ضمن خلايا القاعدة ثم داعش. فعل بشار كل ذلك لانغماسه العقائدي الكلي في المشروع الإيراني، مع أن المملكة دعمته في بدايات حكمه بدعم مباشر له وبدعم آخر للدولة السورية، ومن ضمن ذلك عشرات المليارات من الدولارات - من المملكة ومن حلفائها - للاستثمار في سورية، ومبلغ مباشر يقدر بمليار ونصف خلال أعوام (2000 - 2005) طلبها على دفعات بذريعة استقطاب البادية والمزارعين ورجال الأمن. وكانت والدته، السيدة أنيسة مخلوف، تعالج إلى عام 2011 على نفقة المملكة العربية السعودية، ووصل الأمر إلى منع المملكة لغارة أمريكية تستهدف سورية بعد الدخول الأمريكي للعراق خوفا من تكرار المشهد العراقي، فلم نكن نعلم الغيب وأن استمرار بشار يعني مشهدا سوريا أسوأ من العراق، لكن الهم كان سورية لا بشار، وما زال همنا هو سورية، والتعلم من أخطاء الماضي نتيجته أن لا وجود لسورية مع وجود بشار. وفي خانة الوعود الكاذبة حدث ولا حرج، تعهد بشار الأسد بعدم المساس بشعرة من رأس رفيق الحريري وكذب، وتعهد بعدم السماح لإيران بابتلاع سورية وكذب، وتعهد بداية الثورة السورية بإجراء إصلاح شامل ومحاسبة المتجاوزين وإنهاء تغول الأجهزة الأمنية على السوريين والانفصال عن إيران وعدم إراقة الدماء السورية، ومقابل هذا الوعد الأخير منحته دول الخليج 150 مليون دولار عاجلة وفوقها 10 مليارات دولار بعد التنفيذ، لكنه لم ينفذ وكذب كالعادة. في زمن الرخاء، فشلت كل محاولات تغيير سلوك بشار، وفشلت كل محاولات فصله عن إيران، وخلاصة ذلك أن بشار لن يتغير ضد إيران بعد أن أصبح الحرس الثوري يحرسه وميليشيا حزب الله تحارب عنه. لا أراهن مطلقا على الفوارق التكتيكية بين روسياوإيران، خصوصا مع وحدة مسارهما الإستراتيجي، والممارسة خير برهان، لم تستفد دول الاعتدال أي شيء، ولم يستفد السوريون أي شيء، منذ تدخل روسيا في سورية، بل إن الوضع أسوأ، والمشهد العام يكرس الرؤية الإيرانية: ضرب الإسلام الأكثري، تمتين تحالف الأقليات، التمييز بين إرهاب وإرهاب وتشريع المطامع الإيرانية في المنطقة. لكن المبشر في الصورة نستقيه من التاريخ: لم تدخل روسيا في صراع مع أهل المنطقة إلا وخرجت ذليلة، شاهدنا ذلك خلال الحرب الباردة ومحاولة نشر الشيوعية، وشاهدناه في الحرب الأفغانية، وسنشاهده - بإذن الله - في الحرب السورية. استمرار بشار الأسد - باختصار - يعني العودة إلى ما قبل 2011، تجدد الاغتيالات السياسية ونشاط الإرهاب ضد دول الاعتدال، لكن الفرق بين إرهاب اليوم وإرهاب الأمس والغد، هو أن إرهاب اليوم هدفه التخفيف عن بشار وإيران، بينما إرهاب الأمس والغد هدفه نقض دول الاعتدال لإسقاطها في المشروع الإيراني، والأمثلة على ما أقول كثيرة، منها أحداث البحرين وخلية العبدلي في الكويت وانقلاب الحوثي في اليمن وتصريحات بشار وحزب الله ضد الأردن، إذ قال بشار إن الأردن دولة غير مستقلة، وقال نعيم قاسم نائب أمين ميليشيا حزب الله: «رصدنا تزايد العناصر التكفيرية في الأردن»، ومعنى التصريحين أن إيران تستهدف الأردن في سياق استهدافها للمملكة، حاولت إيران التسلل إلى قلب العروبة والخليج عبر البحرينوالكويت شرقا ثم اليمن جنوبا، وبسبب فشل المحاولات السابقة ستجرب من الشمال، لكن للبيت ربا يحميه، وفي الأردن رجال أشداء. الأهم من كل ذلك، أن التسليم بتعويم بشار، يعني مباركة أساليب إيران وإرهابها، أي أن المعنى السياسي لاستمرار بشار، هو دعم الحوثيين في مشروعهم الانقلابي في اليمن، ودعم عملاء إيران في البحرين لقلب نظام الحكم، وإغواء حزب الله بمكافآت سياسية نظير إرهابه اللبناني والعربي والخليجي، وكل ذلك سيغري داعش والقاعدة وأتباع نمر النمر بمزيد من النشاط في الداخل والخارج. أكتب هذا الكلام ردا على الحرب الإعلامية التي تشنها وسائل الإعلام الممانعة وخلايا عزمي بشارة القطرية ضد المملكة، وخلاصة هذه الحرب التي مورس خلالها كل تزوير وتلفيق، بأن المملكة غيرت موقفها من بشار، وأن المملكة ستطبع علاقتها بإيران، واشتداد هذه الحرب خلال الأيام الماضية سببه حساسية المرحلة. أولا، الزيارات الدبلوماسية بين إيران والمملكة - المعلن عنها رسميا - هدفها تفقد مقار السفارة والقنصليات ومواكبة حجاج إيران، وبعد الاطمئنان على المقار السعودية في إيران، وبعد انتهاء موسم الحج، تعود الأوضاع إلى ما كانت عليه، أي أننا نتحدث عن زيارات تقنية لا سياسية، وترويج خلايا عزمي هدفه التغطية على انكشاف متانة العلاقات القطرية - الإيرانية. ثانيا، تبذل المملكة مساعيها لتوحيد منصات المعارضة السورية «منصة الرياض، منصة القاهرة، منصة موسكو»، والهدف تشكيل هيئة الحكم الانتقالية التي يعني قيامها نهاية بشار الأسد سواء شارك في المرحلة الانتقالية أو لم يشارك، والتشويش الملحوظ سببه اختراق منصة القاهرة ومنصة موسكو من عناصر أسدية وإيرانية تصرح وتسرب أخبارا ملفقة أو كاذبة عن الاجتماعات، والدليل على ما أقول بيان مجلس الوزراء بتاريخ 7 أغسطس 2017 الذي شدد على تمسك المملكة بمقررات جنيف 1 وقرار مجلس الأمن 2254. على الأصدقاء والخصوم أن يطمئنوا، فالمملكة ثابتة في مواقفها ومواقعها: لا مكان لبشار الأسد في مستقبل سورية ونهايته عقاب دنيوي وإلهي، ولا تقارب مع إيران إلا بعد التغيير، وسيعلم الذين ظلموا أى منقلب ينقلبون.