سبع عشرة دولة من ضمنها إيران -لأول مرة- إضافة إلى الاتحاد الأوروبي والأممالمتحدة اجتمعت في فيينا، وخرجت بتوصيات تعترف فيها بوجود خلافات جوهرية بين المشاركين، كما هو متوقع، الفرقاء ختموا اجتماعهم بتسع نقاط متفق عليها؛ منها عموميات بدهية كوحدة سورية واستقلالها وسلامة أراضيها وهويتها العلمانية، وبقاء المؤسسات، وصيانة حقوق السوريين بصرف النظر عن العرق أو الانتماء الديني، وتسريع كل الجهود الدبلوماسية لإنهاء الحرب، ودعم النازحين داخلياً وخارجياً، وهزيمة داعش، والنصرة، إلا أن الغاية التي سنوصل إليها هذه العموميات ليس متفقاً عليها حيث إنها تعزز التمسك ببشار الأسد. ويبدو التصميم الروسي الإيراني واضحاً في النقطتين التاليتين، فالسابعة تدعو إلى جمع ممثلي الحكومة والمعارضة في عملية سياسية تفضي إلى تشكيل حكومة ذات مصداقية يعقب تشكيلها وضع دستور جديد وإجراء انتخابات تحت إشراف الأممالمتحدة، هذه المقدمة الجميلة تم تقييدها بالحصول على موافقة الحكومة السورية، ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد وإنما وضع في هذا البند عبارة غامضة يمكنها تفجير أي اتفاق لا يروق للنظام والأوصياء عليه حيث ينص المجتمعون على حق مشاركة المغتربين السوريين في الانتخابات، وهذا يعني أولاً: أن المغتربين السوريين استثناء من القاعدة التي ستقوم عليها الانتخابات أي الداخل السوري من موالاة ومعارضة، وثانياً: ان استخدام مفردة "المغتربين" هي تخويل للنظام والأوصياء عليه بمن فيهم روسياوإيران وحزب الله بحرمان المعارضة في الخارج من المشاركة أو على أقل تقدير الانتقاء منهم. أما النقطة الثامنة فتؤكد على أن النظام السوري هو من يملك ويقود هذه العملية السياسية. وبذلك يكون اجتماع فيينا قد أعاد جميع مفاتيح الأزمة إلى خزانة بشار الأسد. والمآخذ على اجتماع فيينا عديدة منها حشده لمؤيدي بقاء الأسد وداعميه من الروس، والإيرانيينوالعراقيين، في حين غاب أي صوت دولي معارض لبقائه بما في ذلك أميركا. أوروبا تتعامل مع الوضع السوري بواقعية ولم تكن لتأبه كثيراً لو لم يطرق المهاجرون أبوابها. ولنا هنا أن نسأل عن مواقف الدول العربية وتركيا؟ لم أجد شيئاً يمكن اعتباره مكسباً تم تحقيقه لصالح الشعب السوري الذي فقد ربع مليون قتيل على يد النظام، ناهيك عن الدمار الشامل الذي تعرضت له المدن السورية. كيف سيعاد بناء سورية موحدة وتوافقية إذا كان حوالي 80% من شعبها هو هدف للتصفية والتهجير والتجريم؟ وكيف يمكن التعامل مع تغيرات جوهرية في ديموغرافيا هذا البلد المنكوب؟ ومن سيقنع الأكراد بالتخلي عن مكاسبهم المضافة لمكاسب أكراد العراق من أجل سورية موحدة؟ إذا كانت الأقليات العلوية والمسيحيون 5%، والأكراد 5%، والدروز 3% في مأمن من النظام ومن إيران، ومن الروس، ومن حزب الله، فمن العدو الأول الذي يتفق النظام السوري مع بقية دول العالم على هزيمته؟ حسب الإحصاءات الأميركية فإن العرب السنة يمثلون 77% من تعداد الشعب السوري، ويضيف عبدالحليم خدام بأن العرب السنة والأكراد يمثلون نحو 85% من الشعب. لا أحد يصرّح أن أكثر من ثلثي الشعب السوري مستهدف تحت ثلاثة عناوين رئيسة هي داعش، والنصرة والأخوان، حيث إن هزيمة هذه الفصائل الثلاث مطلب لعموم اللاعبين على الساحة السورية لأهداف تختلف من دولة إلى أخرى. ويبقى السؤال الذي يتطلب جواباً تقتنع به أميركا وأوربا قبل فوات الأوان هو كم النسبة التي تمثلها داعش والنصرة من العرب السنة في سورية؟ وما إذا كان المكون العربي السني يمثل تهديداً للأمن الدولي والحضارة الغربية، وماهي تداعيات استهداف السنة العرب على الأقل من وجهة نظر الضحايا، وكيف يمكن أن ينعكس ذلك على العرب السنة في الخليج واليمن، ثم على المسلمين السنة في كل مكان عندما يرون أخوة لهم في الدين والعِرْق يُهَانون ويُقتّلون حرقاً وشنقاً من قبل داعش، وحلف الشيطان السوري؟ يجب أن يكون واضحاً للأميركيين والأوروبيين بأن المواجهة مع إيران وحزب الله والحشد الشيعي في العراق وأنصار الله في اليمن ليست طائفية، وإنما هي مواجهة سياسية عسكرية يحركها طموح نظام ولاية الفقيه في الهيمنة، ويدعم ذلك الطموح إرادة دولية يظهر لي أنها على قناعة بأن العرب السنة هم محاضن الإرهاب الذي يهدد الحضارة الغربية وأن المشتركات مع إيران أكثر بكثير منها مع الدول العربية السنية. وبوضع المشهد ضمن تصور أكثر شمولية فإن ما يجري في العراق وسورية ولبنان واليمن إنما هو قضاء مبرم ومزدوج على السنة العرب، فهم يقتّلون ويهجّرون بدعوى قتال داعش والنصرة، وهم في ذات الوقت يحشرون دولياً داخل دائرة الشعور بالذنب والمسؤولية عما اقترفته وتقترفه داعش والتنظيمات الإرهابية منذ نشأة القاعدة؛ بزعم أن الفكر السني السلفي غير قادر على التعايش. المشكل الأكبر هو التسليم بهذا القدر والقبول بالإدانة وانتهاج الدفاع. التنظيمات الإيرانية في العراق وسورية ولبنان واليمن لا تختلف عن القاعدة وداعش والنصرة، والفارق الوحيد أن داعش والنصرة والقاعدة تنظيمات مارقة على نظام الدولة، وضحاياها هم العرب السنة، أما تنظيمات إيران فتمثل إرهاباً ترعاه دولة وتدعمه وتتورط فيه علانية وضحاياه هم ذات ضحايا داعش والقاعدة. إن سقوط سورية بيد إيران، لتلحق بالعراق لن يؤدي إلى سلام في سورية ولا في المنطقة، بل سيؤدي إلى مزيد من الجحيم تسطلي به المنطقة بما فيها إيران وإسرائيل. لمراسلة الكاتب: [email protected]