لست من دعاة الإيجابية ولا أحاول التظاهر بذلك، ولكن من واقع تجربة لا تنتهي مع الكآبة أيقنت أن بعض درجات الاكتئاب أحيانا ليست مرضا نفسيا، بل ربما تكون خاصية لبعض الشخصيات لا يمكن علاجها أو التخلص منها تماما، وتلك ليست بسلبية مني بل على العكس، الاعتراف بوجود المشكلة هو أول خطوات حلها. إذا تعاملنا مع المزاج على أنه عضلة، فمن المؤكد أن هذه العضلة بحاجة إلى الرياضة والتدريب لتصبح قوية ومقاومة لأشهر أمراض العصر مثل الكآبة، السلبية، والإحباط. الاكتئاب ليس فقط نتيجة ظروف معينة، بل أحيانا هو نتيجة جينات ووراثة وطريقة تفكير، فبعضنا يولد بمزاج ذي مناعة ضعيفة تجاه هذه الأمراض وسريع التأثر بالأشياء السلبية من حوله، لذا فهنالك من هم معرضون للاكتئاب أكثر من غيرهم، ولا بد لهم من أن يتدربوا على تحسين مقاومة مزاجهم مبكرا حتى لا تتمكن منهم الكآبة وتجترهم إلى أنفاقها المظلمة بين فترة وأخرى. التعامل مع هذا النوع من الكآبة يحتاج إلى تنمية قدراتك الذهنية والعاطفية، للكشف وتتبع مصادرها الأساسية والتي تنشأ في الغالب من فكرة سلبية صغيرة تظهر في بيئة مناسبة، فتتكاثر وتحتل مساحة كبيرة من العقل، مما يجعل الشخص مستهلكا ذهنيا، عاطفيا، وحتى جسديا. فالحل هو ردم هذه المصادر وتغير البيئة الذهنية التي تسمح لمثل هذه الأفكار بالتكاثر، ولكن قبل كل هذا، لابد من التصالح مع هذه الخصلة، لأنها قد تكون جزءا أساسيا من شخصياتنا، فلابد من التعامل معها على أنها ضيف ثقيل، يحتاج منا الصبر، بإمكانك أيضا أن تتعامل مع الكآبة على أنها شريك دائم معك في السكن، قد يتواجد معك في كل مكان أحيانا، تدرب على تجاهله وعدم إثارته، وعلى التهرب من ثوراته أحيانا، وعلى مواجهته بقوة وحزم في أحيان أخرى. صحيح أن التعمق في التفكير والتحليل هي سمة الأذكياء، ولكن هي ما يقود أكثرهم إلى الوقوع في مستنقعات الكآبة، لذا فيا عزيزي الكئيب لابأس بقليل من البساطة، والسطحية، وبعض من «الغباء» أحيانا، ولا تكن من الذين قال فيهم المتنبي: ذو العقل يشقى في النعيم بعقله وأخو الجهالة بالشقاوة ينعم